12 سبتمبر 2025
تسجيلفي أعقاب انهيار الدولة العثمانية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، والهيمنة السياسية لبريطانيا العظمى على منطقة الخليج العربي. وقعت قطر - أسوة بالإمارات والمشايخ الأخرى - معاهدة للانتداب البريطاني، التي نصت على حماية الأراضي القطرية ورعاياها من أي اعتداء خارجي. وكان لبريطانيا في ذلك الوقت حق الإشراف على بعض الجوانب الإدارية والأمنية حسب نصوص المعاهدة. وكان - كما قيل لي - لتقلد البريطانيين بعض المناصب القيادية في الجيش والشرطة في ذلك الوقت أثره في وضع النظم الإدارية والمالية التي تتناسب مع متطلباتهم الخاصة للتهرب من دفع الضرائب المستحقة عليهم للحكومة البريطانية. فقد تم إقرار الاستحقاقات المالية لأفراد الجيش والشرطة وتقسيمها بين الرواتب الأساسية والبدلات الأخرى، بحيث تكون الرواتب الأساسية التي يشملها نظام الضرائب في حدها الأدنى على أن تكملها بدلات تحت مسميات مختلفة لايشملها نظام الضرائب السابق ذكره. وبهذه الطريقة كانت الضرائب المستحقة على البريطانيين قليلة ومنسوبة إلى الراتب الأساسي فقط، مع استمتاعهم بالبدلات المختلفة دون خصم روبية واحدة. وحسب هيكلية الرواتب والنظم المالية التي مازال بعضها مطبقاً حتى الآن، فإن الراتب الأساسي لأفراد الجيش أو الشرطة لايمثل إلا حوالي 40% من إجمالي الراتب. وإذا أحيل أحدهم إلى التقاعد انقطعت عنه معظم البدلات التي تمثل حوالي 60% من إجمالي الراتب. يقول المثل "مد رجولك على قد الحافك" وعلى هذا الأساس، يتوسع الكثير منا في معيشته على قدر الراتب الذي يتسلمه. فإذا جاء آخر الشهر نتطلع بلهفة لاستلام الراتب سواء كان 5 آلاف ريال أو زاد مع الزمن إلى 10 آلاف ريال.. فالحال واحد. وتحل المصيبة إذا انقطع الراتب أو تقلص لأي سبب من الأسباب. يقول أحــــد الإخــــوة من أفراد القوات المسلحة إن راتبه كان حوالي 20 ألف ريال، تقلص إلى حوالي 9 آلاف ريال بعد إحالته إلى التقاعد نظراً لإلغاء معظم البدلات المكونة لإجمالي الراتب،, أي أنه فقد 55% من استحقاقاته الشهرية، الأمر الذي أوقعه في مشكلة مالية كبيرة. وزاد الطين بلة التزاماته تجاه البنوك التي أصبحت تقتطع معظم إن لم يكن كل الموجود في حسابه. وأصبح هاجسه اليومي تأمين المعيشة الأساسية لأسرته والتهرب من مطالبات الديانة. ويشكو أنه لم يحسب لتقلبات الزمن ولم يتصور أن يؤول حاله إلى هذا المستوى. هذه الإشكالية حدثت وتحدث مع العديد من المحالين إلى التقاعد من الموظفين، ولكنها أشد على المجندين من أفراد الجيش والشرطة، خاصة إذا كان التقاعد من النوع المبكر الذي لم يحسب له حساب. ويكمن حل المشكلة في إعادة النظر في هيكلية الرواتب بما يتوافق مع المعمول به في الوزارات الحكومية والشركات الكبرى. وأقصد هنا زيادة الراتب الأساسي بحيث يمثل الجزء الأكبر من إجمالي الراتب على حساب تقليص البدلات الأخرى، وبما يحفظ للمتقاعد الجزء الأوفر من الراتب الذي اعتاد الحصول عليه، ويحقق له حياة كريمة يستحقها. إعادة هيكلية الرواتب والمستحقات المالية لأفراد القوات المسلحة ستكلف الدولة الشيء القليل، ولكنها ستعني الكثير لمن قدموا جهدهم وعطاءهم وحياتهم فداء للوطن.