14 سبتمبر 2025
تسجيلليس من الحكمة تجاهل الواقع، لأنه يمتلك مفاعيل يمكن أن تكون نتائجها خطيرة ومدمرة في حال إهمالها، وهذا ينطبق حتى على الأشياء الصغيرة، فالنار من مستصغر الشرر.ومن هنا فإن دراسة بعض الظواهر تبدو ملحة وضرورية، خاصة "الحالة الإعلامية– السياسية" التي تشهدها مصر، التي يبدو أنها أفلتت من كل القيود الأخلاقية والمهنية، وتحولت إلى "حالة" غير مسبوقة من "التضليل"، والخلط والتدليس والتزييف.من هذه الظواهر الخطيرة الحالة العكاشية "توفيق عكاشة"، وهو عبارة عن خلطة "إعلامية– سياسية- اجتماعية– هزلية– مخابراتية"، فهو يحمل صفات "النائب الإعلامي الفلاح المصلح قائد الثورة"، التي يضفيها على نفسه في برنامجه "الطويل جدا"، في قناته الفراعين.هذا "النائب– السياسي- الإعلامي" ذهب بعيدا هذه المرة باستضافته سفير العدو الإسرائيلي في القاهرة وطاقم السفارة في منزله بالدقهلية، وحرص على توزيع صور اللقاء بنفسه، والمجاهرة باللقاء على رؤوس الأشهاد، بل سارع إلى توجيه دعوة ثانية للسفير الإسرائيلي إلى منزله لتناول العشاء، رغم الهجوم الذي تعرض له، بما في ذلك ضربه "بالجزمة" داخل مجلس النواب، وعلل ذلك عبر قناته التليفزيونية: "أنا أعمل لصالح بلدي مصر ولا أخشى ما يردده البعض ضدي طالما أسير في الطريق الصحيح"عكاشة لم يكتف بذلك بل هاجم كل من انتقده بعنف، واتهمهم بالكذب، ودعاهم إلى معارضة اتفاقية كامب ديفيد إن كانوا يستطيعون ذلك، وذهب أبعد من ذلك في هجومه إلى الإعلان أن دعوته لسفير العدو الإسرائيلي تمت بعلم من المخابرات المصرية والأمن الوطني، وبالتالي فهو لم يتصرف بسرية، بل تحت عين سلطة الانقلاب ومعرفتها وموافقتها.في معرض هجومه المضاد لم يقف عكاشة مكتوف اليدين، فقد كشف أنه كان يعمل مع المخابرات المصرية من أجل تسويق الانقلاب محليا ودوليا، وتسويق السيسي على أنه "قائد ثورة" وليس زعيم انقلاب، وأنه اقترح على جهاز المخابرات المصري الاستعانة بـ"إسرائيل" من أجل تثبيت شرعية السيسي، وأن رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو هو من تدخل لدى الإدارة الأمريكية من أجل إقناع الرئيس أوباما للاجتماع مع السيسي، وهو ما حدث فعلا"، وقال إن لديه الوثائق التي تثبت ذلك، وبالتالي فإن لقاءه السفير الإسرائيلي ليس شيئا كبيرا مقارنة مع العلاقات الوثيقة التي تربط السيسي ونظامه بالعدو الإسرائيلي.أعتقد أن ما يقوله عكاشة صحيح تماما، خاصة وأنه يعلنه علنا، ولن يجرؤ أن يقول ذلك ما لم يكن مالكا للأدلة الكافية.. ولكن لماذا فعل عكاشة ذلك؟ يجيب هو بنفسه على ذلك بقوله: "كانوا يختبئون خلفي خلال فترة الإخوان.. أخذوا اللي هما عاوزينه وبعدين أصبحت مشكلة لهم"، ويضيف: "هناك تحرش واضح من الأمن والدولة بأكملها ضدي وهم يعملون بمنطق فرق تسد ويعتقدون أنهم بذلك يخدمون الحاكم "وأتهم" جهاز الأمن الوطني وجهاز المخابرات العامة" باستهدافه. وكان قد سبق وأعلن عن محاولة لاغتياله، وهدد بمغادرة مصر إلى ألمانيا، للحفاظ على حياته.هذه التهديدات ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجد، فهل يملك الرجل معلومات أكثر مما ينبغي؟ وهل دخل في خصومة مع أطراف في نظام السيسي خاصة أجهزته الأمنية، وبالتالي أصبح التخلص منه ضرورة لابد منها؟ أم أن هذه الزوبعة التي أثارها عكاشة ليست أكثر من "زوبعة للظهور الإعلامي" واستقطاب الأضواء وجذب اهتمام وسائل الإعلام؟قد يكون هذا صحيحا لكن شعور عكاشة بالخطر الفعلي، وخوفه من التصفية والقتل دفعه للاحتماء بالطرف الإسرائيلي، بل وكشف أن علاقاته بهذا الكيان قديمة، منذ 5 سنوات على الأقل، وبالتالي فإن دعوة السفير الإسرائيلي إلى منزله ليس أكثر من محاولة لبناء "شبكة أمان" لحمايته من التصفية على أيدي أجهزة السيسي أو بلطجيته، وهو أمر ممكن وسهل في بلد تعمه الفوضى.عكاشة قال لنظام السيسي وجهاز مخابراته: فعلت كل ما اردتموه مني، وفي المقابل لم تعطوني ما أريد، ولأنه لحوح "وثرثار" أكثر مما ينبغي فإن "فرضية التخلص من وجع الراس" هي التي طيرت النوم من عيني "عكاشة" في انتظار نهاية ما.