30 أكتوبر 2025
تسجيلعندما ظهرت قضية الحركة الحوثية في محافظة صعدة كجماعة منظمة ومسلحة، وبداية صراعها العسكري مع الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح لعدة سنوات، ثم القتال الذي جرى بينها وبين القوات السعودية في تلك الفترة، على الحدود، وقد تحدث البعض أن الحركة الحوثية تعاني من التهميش والقمع، وكذلك شعور الجماعة الحوثية ـ كما قيل ـ بخطر القضاء على المذهب الزيدي في اليمن، من الاختراق السلفي الكبير للمذهب في الكثير من المدن اليمنية، وأن الحوثيين يريدون رفع الظلم والتهميش عن مدنهم، وأن مناطقهم محرومة من التنمية إلخ.. واعتقد البعض أن هذا الرأي يمكن قبوله، وأن من حقهم قبولهم في العملية السياسية، وأن هذا الشباب (المسمى آنذاك بالشباب المؤمن)، يستحق احتواءه، وإتاحة الفرصة له في الحياة. لكن الغريب أن الحركة الحوثية، لم تلجأ إلى السلمية، كطريقة مدنية ودينية، وأن العنف ليس طريقا مقبولا في المطالبة بالحقوق، وأنا أحد هؤلاء الذين كنت أقول إن إتاحة الفرصة لهم في المشاركة السياسية، هو الطريق الصحيح لإبعاد الصراع معهم، لكنني بعد ما جرى منهم، بعد الهجوم على المدن اليمنية والسيطرة عليها، لفت نظري أن هؤلاء يريدون فرض أنفسهم بالقوة، وليس من خلال الوسائل المعروفة مع كل التيارات في اليمن، إلى جانب، وهو الأخطر، أسلوب القمع والعنف والقتل الذي استخدمه في السيطرة على المدن اليمنية، المدنية والعسكرية، وإنهاء الدولة القائمة، وسجن الرئيس بطريقة غير لائقة، وهو رئيس منتخب، إلى جانب اعتقال بعض المسؤولين البارزين، ومنهم رئيس الوزراء، إلى جانب الممارسات السلبية في التعامل مع المعارضين لطريقتهم في ضرب الصحفيين والطلاب الذين ينتقدون طريقتهم العنيفة، وهذا يبرز أن هؤلاء لديهم مخطط عسكري قمعي خطير معد، ولا يؤمنون بالتعدد والتنوع، وقبول الآخر المختلف، وهذا ما أزعج كل التيارات اليمنية!والغريب أن الحركة الحوثية ـ تحالفت معه بعد الثورة 2011، كما يقول د. أحمد محمد الدغشي: كتابه (لحوثيون.. ومستقبلهم السياسي والعسكري والتربوي)، فبعد" غادرت الساحات بعد مرور بضعة أشهر من اندلاع الثورة، وبالتحديد في أواخر شهر رمضان 1423هـ، الموافق أواخر شهر أغسطس 2011م، وهو الوقت الذي تردّد فيه على نطاق نيّة النظام (العائلي) في اقتحام ساحة التغيير بصنعاء من كل الاتجاهات، متزامناً ذلك مع ضربات مباغتة لتدمير مقدرة الفرقة الأولى مدرّع، التي أعلن قائدها اللواء علي محسن الأحمر ولاءه للثورة منذ وقت مبكّر، ومسؤوليته عن حماية الثوار وساحتهم في صنعاء – بوجه خاص – وذلك بهدف شلّ فاعليتها، إما في الأيام الأخيرة لشهر رمضان 1432هـ، وإما في اليومين الأولين من أيام عيد الفطر المبارك على أبعد تقدير، ولكن يشاء الله أن تحدث جملة متغيّرات داخلية، أهمها: اكتشاف الجيش المناصر للثورة المخطط في وقت مناسب، وأخذ كافة الاحتياطات اللازمة لمواجهة ذلك. وعوامل خارجية يأتي على رأسها سقوط النظام الليبي على ذلك النحو (الدراماتيكي) المدوي في أواخر أيام رمضان المبارك، مما انعكس بالإحباط النفسي على النظام السياسي (العائلي)، في مقابل منح ذلك دفعة معنوية عالية للثوار والجيش المساند لهم، ويبدو أن ذلك قد أسهم في إحباط المخطط إلى حدّ بعيد، أو إرجائه إلى وقت لاحق! كما أن لذلك دوراً من الجانب الآخر – فيما يبدو – في عودة الحوثيين ثانية إلى الساحة.وبحسب مراقبين فإن انسحاب الحركة الحوثية من الساحة الرئيسية بصنعاء ابتداءً قد أتى في أجواء ذلك المشهد (السيناريو) السابق، وبعدما أدركت الحركة الحوثية استحالة سيطرتها على الساحة. وقد يَرِد انسحابها في سياق تنسيق – لم يعد مستغرباً بعد كل ما انكشف في حجّة بوجه خاص – مع النظام السياسي حينذاك، والذي تردّد أنه عد الحركة بتسليمها محافظات بأكملها، في حال وقف معه لإجهاض الثورة الشبابية الشعبية التي يقودها – بحسب اعتقاد الطرفين – خصم مشترك لهما معاً، هو (التجمع اليمني للإصلاح)، وحليف الإصلاح الأكبر اللواء علي محسن الأحمر. وقد أثبتت التطورات اللاحقة أن مسألة التنسيق والتعاون والدعم غير المحدود ممن تبقى في النظام من أفراد العائلة وسواهم للحركة الحوثية أمر بات في حكم المقطوع به، بشهادة كثير من المراقبين المتابعين، وبإقرار بعض الأفراد المشهود لهم بالرزانة والموضوعية، كالدكتور ياسين سعيد نعمان.وإن بعض من كانوا على تعاطف شبه تام مع الحوثيين، كما يقول الدغشي، قبل هذه التطورات، ولو لم يكن من دلائل هذا التحالف إلا ذلك الصمت المريب للحوثيين عن جرائم النظام البائد ورموزه، في مقابل تركيز كل الاتهامات، وحشد كل الطاقات لمواجهة أكبر مكوّنات الثورة الشعبية السلمية، وهو (التجمع اليمني للإصلاح)، وحاميها العسكري اللواء علي محسن الأحمر، وأحد أكبر داعميها الماليين ذي الثقل القبلي الشيخ حميد بن عبدالله الأحمر، الخصوم الأشد لدادة للطرفين معاً!وأمّا عودتها إلى ساحة التغيير الرئيسية بصنعاء ثانية ـ كما يشير في هذا الكتاب ـ فيرجعه بعض المراقبين إلى التطورات الفعلية على الأرض التي أشارت إلى قرب زوال النظام السياسي برمته، وهو ما يجعل من كل مشاركة الحركة الحوثية طيلة المرحلة السابقة تذهب هباء إذا ما تم الإعلان عن ذلك في غيابها، ولكنها حين يئست من تحقيق أعلى قدر من السيطرة على الساحة المرة بعد الأخرى، وتأكد لها أن مسار الثورة لم ولن يأتي وفق أجندتها، راحت تشتط يمنة ويسرة، وتكيل الاتهامات لهذا الطرف وذاك. وتبقى المفارقة الأكبر في أن هذا الموقف المتمثل في الرغبة بالانسحاب من الساحات لم يواجه باتهامات من قبل اللجنة التنظيمية للثورة أو سواها من المكونات الأخرى المختلفة مع الحوثيين، كتلك الاتهامات التي كالها الحوثيون للجنة التنظيمية وأحزاب (اللقاء المشترك) – وفي مقدمتها الإصلاح – من مثل الخيانة والتآمر على الثورة وأنهم شركاء النظام السابق، بعدما أعلنت هذه الأخيرة بداية شهر يونيو 2012م خطوة إعادة ترتيب الساحة الرئيسية في العاصمة صنعاء، عبر رفع بعض الخيام الخاصة بالثوار القادمين من بعض المحافظات، وذلك بعد أن أمضوا عاماً ونصفاً من البقاء فيها بعيداً عن أهاليهم، ولبعض الاعتبارات الموضوعية الأخرى.وبحسب حديث الشيخ الحسن أبكر عضو (مجلس شورى الإصلاح) ورئيس (هيئة الشورى) بالمحافظة فإن الحوثيين على اتصال بالسلطة، ويتلقون دعمهم بالسلاح منها، وأنّه لما أدرك رأس النظام السابق علي صالح وأفراد عائلته النافذون حتمية مغادرتهم السلطة، راحوا يعقدون الصفقات المشبوهة مع الحوثيين، وقال أبكر – في ثنايا حوار صحفي – وقد سئل عن أدلتهم على ادّعائهم – أي الإصلاحيين – أن الأمن القومي يدعم الحوثيين، فقال: (هناك أدلة كثيرة، منها أن قيادات المؤتمر وأعضاءه في مديرية المتون هم من يقومون بتوزيع الذخيرة والسلاح على الحوثيين..) وعندما توسّط الشيخ الحسين الضمين، اتصل به الرئيس، وقال له: (ما الذي ذهب بك إلى أبكر؟ اتركهم، دعهم يتقاتلون)، فغضب الشيخ الضمين وأغلق الهاتف في وجه الرئيس، فاتصل الرئيس بخالد عبد الوهاب الشريف؛ ليقنع عمّه الحسين الضمين بترك الوساطة بين أبكر والحوثيين والرجوع إلى صنعاء. وأخبر (يقصد الشيخ الضمين) أن الرئيس اتصل بعبد الملك الحوثي، وقال بالحرف الواحد: (خذ اللواء من الإصلاحيين).لكن لماذا أرادت جماعة الحوثي الاستفراد بالحكم باليمن؟ والهيمنة على الجيش والأمن؟ وهل ستنجح في ذلك؟. وللحديث بقية.