14 سبتمبر 2025

تسجيل

داعش والتتار

01 مارس 2015

جاء إقدام تنظيم داعش على إحراق مئات الكتب والمؤلفات التاريخية والحديثة التي تحتوي عليها المكتبة المركزية للموصل، وكذلك عدد من مكتبات الجامعات التي تقع ضمن المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ليضاف إلى الجرائم الأخرى التي ارتكبها منذ ظهوره من قبيل أعمال القتل والتخريب ضد كل من يخالفه المنهج الذي يتبعه.وتأتي تلك الجريمة التي تعد سمة لازمة لأي تنظيم أو حضارة تسعى للسيطرة والهيمنة، كحلقة جديدة ومشابهة لجرائم شهدها التاريخ أبرزها ما قام به التتار بعد سيطرتهم على العراق من إحراق مكتبة بغداد التي كانت تعد أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن، حيث كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من ستمائة عام، جمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون من علوم شرعية كتفسير القرآن والحديث والفقه والعقيدة والأخلاق، ومن علوم حياتية كالطب والفلك والهندسة والكيمياء والفيزياء والجغرافيا وعلوم الأرض، ومن علوم إنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب والتاريخ والفلسفة وغير ذلك. هذا كله بالإضافة إلى ملايين الأبيات من الشعر، وعشرات الآلاف من القصص والنثر، وكذلك الترجمات المختلفة لكل العلوم، الأجنبية سواء اليونانية أو الفارسية أو الهندية أو غير ذلك.وقبل هذا الحدث بعشرين سنة، شهد العالم جريمة أخرى تمثلت في حرق مكتبة قرطبة بعد سقوطها في يد نصارى الأندلس سنة 636 هـ. وقام بذلك أحد القساوسة الذي حرق كل ما وقعت عليه يده من كتب.وبعد هذا قام الغرب بنفس الجريمة في العالم الإسلامي بعد احتلاله، لكن بشكل مختلف، حيث عمد المحتل إلى تغيير الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت تقوم عليها المجتمعات الإسلامية بهدف إحداث تغريب في هذه المجتمعات تجعلها في حالة تبعية مستمرة للعالم الغربي. وهو ما يعني حرق الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ساد في هذه المجتمعات طوال قرون.وحتى بعد خروج الاحتلال بشكل رسمي استمرت عملية الحرق هذه بعد إيجاد النخب العميلة للغرب والتي سيطرت على حكم هذه المجتمعات، حتى جاءت ثورات الربيع العربي التي حاولت إنهاء عملية الحرق من خلال تحقيق الاستقلال الحقيقي للدول العربية والإسلامية عن الغرب. لذا جاءت عملية استنساخ تنظيم من رحم الدول التي تشهد هذه الثورات من أجل إعادة عملية الحرق لكن هذه المرة على أيدي عرب ومسلمين.