13 سبتمبر 2025

تسجيل

التجديد الذي نريده لواقعنا الراهن

01 مارس 2014

لا تزال قضية تجديد الخطاب الديني الإسلامي من القضايا المحورية والهامة في فكرنا الإسلامي المعاصر، لما يمثله الخطاب من أولوية في فكرنا الراهن، خاصة الذي يتصل بالقيم الإسلامية، وانعكاس ذلك على سلوك وثقافة المسلمين كنتيجة لهذا الخطاب وسطوته على تصوراتنا الدينية في الحياة والممارسة الحياتية.لذلك أصبح تجديد الخطاب الديني ملحاً وهاماً، خاصة في ظل تصاعد الكثير من الخطابات الفكرية في عصرنا الراهن، في ظل التحولات الفكرية وتصاعد مد العولمة وإرهاصات الاختراق الفضائي عالمياً، مع بروز بعض الخطابات الدينية المتطرفة والتي لا تمثل فكراً إسلامياً مستمدا من الرؤية الصحيحة للإسلام، ويقابله من جانب آخر بعض الخطابات الأخرى التي تطرح خطاباً تغريبيا بعيدا عن قيم الأمة وتراثها، ولا ينبعث من واقع فكرنا الإسلامي ولا يلامس قضاياه الصحيحة في ظل وجود خطاب ديني تقليدي سكوني وثابت على مقولات وخطابات وتراث السابقين الذين خاطبوا عصرهم بظروفه ومشكلاته، لكنها ـ أي هذه الخطابات ـ في بعض مضامينها لا تتناسب وراهننا الحالي بتحدياته المتعددة، مع تقديرنا واحترامنا لهذا التراث، ومكانته في فكرنا الإسلامي.من هنا أصبح من الضروري تجديد الخطاب الإسلامي بما يلامس واقعنا، ويحرك الساكن الفكري، لأن مهمتنا الأساسية ليست القبض على التاريخ وقضاياه، بل إصلاح الواقع مع توظيف ماضي الأمة العريق والقويم في النهوض بالواقع وإصلاحه، وعلينا أن نوضح في مسألة تجديد الخطاب الديني أن نفرق بين الفكر الإسلامي البشري، وبين نصوص الوحي وقطعياته الثابتة، فالمحدد في الخطاب الإسلامي في عمومه هو التزامه بالمرجعية الإسلامية، وضرورة ألا يحيد عن منهجها في الرؤية والهدف، لكن عليه أن يكون واعياً للتحولات الثقافية والتغيرات الفكرية والسياسية في عالم اليوم، وأن يدرك أن الخطاب الساكن الجامد غير المتابع والراصد لكل التحولات الراهنة، لا يستطيع أن يضع الخطاب المناسب والعميق لما يدور حوله ويظل رهين آليات الفهم التقليدية في الخطاب الذي لا يجد الاستجابة والتأثير في الداخل، أو الإقناع والتفهم في الخارج.ونتيجة للالتباس والخلط في مفهوم التجديد أصبح البعض من العلماء والمشتغلين بالفكر الإسلامي يتوجسون من مقولات التجديد وضروراته لعصرنا، لأن الكثير من المدعين دخلوا على خط هذه المشروعية الإسلامية، وحاولوا أن يطرحوا بعض القضايا والمفاهيم المغايرة لمفهوم التجديد الإسلامي ومضامينه، والبعض الآخر يقصر مهمة التجديد في التحذير من البدع والمحدثات التي توصف بأنها شر الأمور، وهناك من يحصر التجديد في الجانب السياسي أو الاقتصادي لا غير، وهناك من يكتفي بربط القرآن الكريم بما جد من حقائق العلم والمعرفة، معتبراً أن التجديد هو التفسير العلمي للقرآن الكريم، بل هناك من يوسع مفهوم التجديد الديني حتى يكاد أن يشتت ويبدد تحت شعار الحداثة وما ستتبعها من كلام غليظ، وهناك من يركن للتقليد والانكماش ولسان حاله يقول: "ليس في الإمكان أبدع مما كان". والواقع أن مهمة التجديد ليست مقتصرة على فهم خاص أو جانب من جوانب الإشكالات في الفكر الإسلامي أو ظاهرة حياتية في واقعنا واقتصارها عليه، وإنما التجديد كما جاء في مشروعيته يرتبط بحاجتنا لهذا التجديد ومراميه وأهدافه بصورة جلية ومفتوحة بما يطرح من إعادة النظر في قضايا مستجدة وملحة طرأت على واقع الأمة وجعلت مسألة التجديد قضية تحتاج إلى حراك فكري إسلامي تستعيد الفهم الصحيح لهذا الدين، والتبصر بما سيكون عليه حاضرنا والتخطيط السليم للمستقبل، وفي الوقت نفسه لا تحيد عن المرجعية الإسلامية في طرح ما نراه ضرورياً وملحاً في قضايا ومسائل التجديد، لكننا أيضاً علينا أن نستفيد من معطيات العصر ومنجزاته وتطوراته العلمية في عالم اليوم. ولا شك أن التجديد عند العديد من المجددين ـ كما يقول د/ أحمد عرفات القاضي ـ على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم الفكرية واهتماماتهم الفقهية هو عملية تفاعل لما قد يستجد في مضامين الفكر ومعطياته الواقعية في داخل الجماعة التي تؤمن بعقيدة واحدة وقيم مشتركة وتحتكم للشريعة الإلهية تهتدي بها في سعيها الدنيوي، وتمهد لها سبيل الخلاص في الآخرة. وعلى هذا فإن الفكر الإسلامي في مراميه البعيدة ومجالات نشاطه، لا يقف عند حد إلا ما حددته الشريعة الإسلامية بنص قطعي معلوم من الدين بالضرورة. وما عدا ذلك فينبغي أن يخضع للفكر وتمحيصه على ضوء مستجدات الزمان والمكان، وتطور مناهج العلم ووسائله التطبيقية للحكم فيه بما تقتضيه مصالح المسلمين على تعاقب أجيالهم.كما أن هذا التجديد لا يعني الانقطاع التام عن التراث الفقهي للسابقين من الأئمة والعلماء، لكن يجب أن نقوم بدراسة هذا التراث ونقده عندما يستدعي ذلك واستيعابه والأخذ منه بما يوافق عصرنا وواقعنا في ضوء العصر وتحولاته ومشكلاته القائمة لمواجهة ما يطرأ من تحديات على واقع الأمة، وبذلك تتحقق أهداف التجديد في أن يكون فاعلاً ومؤثراً في طرحه وملامسته لحاجات الأمة وتطلعاتها، ذلك أن التجديد ضرورة دينية لحفظ دين الأمة ذاته من الكثير من التأثيرات والآراء التي قد تكون بعيدة عن حقيقة الدين وجوهره الأصيل، والعودة إلى منهج النبوة في الإصلاح والحق الذي جاء به هدي الإسلام.وليس هذا ما يتناقض مع الدين وحقائقه الثابتة، فالبعض قد يتوهم أن التجديد يناقض ثوابت الإسلام، واكتماله، فيرفضون مبدأ التجديد كلية ويعتبرونه تهديما للدين نفسه، وهذا ليس صحيحاً ـ كما يقول د/ محمد عمارة، فالتجديد هو "السبيل لامتداد تأثيرات الدين الكامل وثوابته إلى الميادين الجديدة، والأمور المستحدثة، والضمان لبقاء ((الأصول)) صالحة دائماً لكل زمان ومكان.. أي أنه هو الضمان لبقاء الرسالة الخاتمة خالدة الخلود الذي أراده الله، ولولا مد ((التجديد)) الفروع الجديدة إلى الجديد من المحدثات، وإقامته الخيوط الجديدة بين الأصول الثابتة وبين الجديد الذي يطرحه تطور الحياة.. ولولا تجديده الدائم الذي يجلو الوجه الحقيقي والجوهر النقي لأصول الدين وثوابته.. لولا دور ((التجديد)) هذا في حياة الإسلام ومسيرته لنسخت وطمست هذه الأصول، إما بتجاوز الحياة الممتدة لظل الفروع الأولى والقديمة، فيعرى هذا الامتداد الجديد من ظلال الإسلام، أو بتشويه البدع – عندما تتراكم – لجوهر هذه الأصول"..فالتجديد، إذن، هو السبيل لاستمرارية الدين الكامل "الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"، وليس نافياً لثبات واكتمال هذا الدين؟! لذلك على أمتنا أن تعي أهمية تجديد الخطاب الإسلامي لواقعها، وللتحديات التي تحيط بها من كل جانب ـ كما أشرنا في فصل تحديات الخطاب الإسلامي ـ فالمهمة الأساسية لنا ليست فهم التاريخ وإعادة إنتاجه، وإنما إصلاح الواقع ومشكلاته وتحدياته، فالانشغال بالماضي ومحاولة فهمه من الأمور التي تستهلك الكثير من طاقاتنا وأوقاتنا، فإذا وصلنا إلى النقطة الجوهرية في الموضوع، وهي كيفية توظيف الماضي في النهوض بالواقع، وكيفية استخدام التاريخ أداة لتربية الأجيال الجديدة – وجدنا أذهاننا مرتبكة وطاقاتنا مستنفذة، وفي بعض الأحيان أشعر بأننا لا نبحث عن مستقبل هو تطوير للواقع.والإشكالية أن في الساحة العربية والإسلامية الكثير من الدعوات للتجديد، وتأويل النص القرآني أو قراءته أو تجديد الخطاب الديني... إلخ، الواقع أن مسألة تجديد الفكر الإسلامي أو إعادة فهمه أو قراءته ليس مرفوضاً أو مستهجناً، كمنتوج بشري قابل للأخذ والعطاء والمراجعة، لكن الذي يرفض هو استحداث رأي أو تجديد ما يطرح عند البعض من الكتاب في النص القرآني وتأويله أو رفض بعض أحكامه بحجة "تاريخية" نصوصه لمرحلة معينة، فالنص الديني وضع إلهي خالد معصوم غير تاريخي، مجرد عن قيدي الزمان والمكان، نزل إلى الأرض من مقام مكنون (لا يمسه إلا المطهرون)، أما قراءته أو فقهه فهو وضع بشري تاريخي يتقادم، وقابل للأخذ والعطاء وفقا لما تدركه النفوس من جدة أصول الإسلام مع واقع العصر ومتغيراته. وعليه فإن الشريعة مقدسة لا يتسرب إليها الخطأ، ولا تتناقض، ولا يوجد فيها أي تعارض على الإطلاق، أما فهمها فقد يختلط بفهم آخر أو بمعرفة أخرى، يتعارض معها أو يتوافق، كما أن علماء الدين قد يخطئ بعضهم بعضا، ولكن لا أحد منهم يخطئ الدين، ومع تمام الاحترام والتقدير لمقامهم وجهودهم، إلا أنه لا يمكن أن يكون فهمهم للشريعة مقدسا وكاملا وواحدا.