31 أكتوبر 2025

تسجيل

المعارضة المصرية والانتحار السياسي

01 مارس 2013

تصر المعارضة المصرية المنضوية تحت مسمى "جبهة الإنقاذ الوطني" على السير الحثيث في طريق الانتحار السياسي، من خلال تبني مواقف سياسية تؤدي إلى تآكل دورها السياسي وتراجع شعبيتها في الشارع. فمنذ اليوم الأول لتشكيل الجبهة، وهي تتبنى مواقف صدامية مع النظام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، إذ تدعو بشكل علني إلى إسقاط النظام وإبعاد جماعة الإخوان عن العملية السياسية، فضلا عن دعوة الجيش للعودة إلى الساحة السياسية وإدارة أمور الدولة مرة أخرى، رغم أن مؤيديها في السابق هم من تظاهروا لإسقاط حكم العسكر، وأهانوا ضباط وجنود الجيش خلال تواجدهم في الشارع، ودخلوا معهم في صدامات عنيفة أدت إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى. كما ترفض الجبهة بشكل دائم كل دعوة للحوار من قبل رئيس الجمهورية أو حتى جماعة الإخوان المسلمين، وذلك من خلال وضع شروط تعجيزية مسبقة للحوار، والمطالبة بالموافقة عليها قبل الجلوس لطاولة الحوار، من قبيل إقالة الحكومة وإقالة النائب العام وإعادة النظر في الدستور الجديد والموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وبدلا من ذلك تدعو الجبهة كل أسبوع إلى مظاهرات لمحاصرة المقرات الرسمية والقصور الرئاسية ومقرات الشرطة، من أجل الاعتداء عليها وقذفها بالحجارة والزجاجات الحارقة لكسر هيبة الدولة وممارسة ضغوط شديدة على الرئيس للقبول بمطالبهم، والتهديد بالاستمرار في هذه السلوكيات الإجرامية التي امتدت إلى قطع الطرقات والسكك الحديدية وخطوط المترو، مما دفع المواطنين إلى التصدي بأنفسهم لهم ومواجهة محاولاتهم التخريبية، الأمر الذي يشير إلى انهيار شعبيتهم لدى المواطن العادي الذي رأى أن مصالحه تتعطل ومؤسسات الدولة التي يملكها تحترق بسبب سلوكياتهم. ومع انهيار شعبيتهم التي كانت ضعيفة من البداية، وهو ما ظهر في الاستحقاقات الديمقراطية المتعددة منذ نجاح الثورة وحتى الآن ممثلة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية والرئاسية ثم الاستفتاء على الدستور الجديد نهاية العام الماضي، جاء موقفهم الأخير المقاطع للانتخابات البرلمانية الجديدة، لأنهم أصبحوا متأكدين بعدم قدرتهم على تحقيق أي نتائج في تلك الانتخابات أو أي انتخابات أخرى، بسبب عدم اهتمامهم بالتواصل مع المواطنين بعكس التيار الإسلامي الذي يبذل جهودا كبيرة لزيادة هذا التواصل وتلبية حاجات المواطنين المعيشية لزيادة شعبيته بشكل أكبر في كل مرة. وتتأكد حالة الانتحار السياسي التي تعيشها أحزاب جبهة الإنقاذ مع التصريحات الهستيرية لقادتها، خاصة ما يتعلق منها بأخونة الدولة، حيث يصر هؤلاء على أن النظام السياسي الجديد الذي يقوده الإخوان المسلمون، ينفذ أجندة خاصة بهم تقوم على السيطرة على مفاصل الدولة. لكن هذه التصريحات لا تقدم الأدلة على هذه الاتهامات، كما أن المواطن العادي يجدها نوعا من أنواع المماحكات السياسية التي لا تعنيه في شيء، فهو يهتم بما يصلح أحواله المعيشية. ومن هذه التصريحات، تلك التي صدرت مؤخرا بعد رفض الدعوة المتكررة للرئيس بالحوار بعد تحديد مواعيد الانتخابات البرلمانية الجديدة، حيث قاطعت أحزاب الجبهة كالعادة هذا الحوار، في حين ذهب إليه عدد من الأحزاب الأخرى المحسوبة على الطريق الوسطي في الساحة السياسية والتي ترى أن المقاطعة ليست الطريقة المثلى لبناء ديمقراطية حقيقية. لكن الجبهة رأت في هذه الأحزاب التي حضرت مجرد امتداد للتيار الإسلامي الحاكم، فجاءت تصريحات رفعت السعيد أحد قادة الجبهة التي تشير إلى أنه لم يكن هناك حوار لأن الرئيس كان يحاور نفسه من خلال حواره مع مؤيديه. إن المتابع غير المنحاز لتطورات الساحة السياسية المصرية أصبح يرى أن جبهة الإنقاذ في طريقها إلى الانهيار الكامل بسبب المواقف الانسحابية الانتحارية التي تتخذها في مواجهة كل دعوة للحوار وكل استحقاق انتخابي، وعدم قدرتها على تقديم بديل حقيقي للنظام السياسي الجديد الذي تقوده جماعة الإخوان.