08 نوفمبر 2025

تسجيل

كِش مَلك

01 مارس 2011

حينما فكرنا مرة بتغيير أنفسنا أقلنا حكومة وشكلنا أخرى، دون أن يجرؤ أحدنا على المساس بالكراسي الحاكمة التي تلعب بنا مثل بيادق الشطرنج، تطيح بالجنود تباعاً.. ووحده الملك يقف شامخاً بينهم.. وحدها (تونس الوديعة) في ليلة وضحاها قررت أن تكون ذئباً يتصيد الملوك فأطاحت بالملك مهدور الدم والكرامة ليلحقه وزيره الذي أعلن استقالته أمس الأول معلناً وهو يرتشف قطرات من الماء البارد لعلها تسهل عليه مصيبته، أن تنحيه عن رئاسة الحكومة المؤقتة كانت تقف وراءها ضغوطات كبيرة ورغبة أكبر في حقن دماء التونسيين!! واسمحوا لي أن أتشكك بهذه الرغبة باعتبار أن محمد الغنوشي كان من أذيال نظام "شين الفاسقين" بن علي، ولم يكن مؤهلاً للاستمرار، وتذكير هذا الشعب العظيم بهذه الحقبة الزمنية التعيسة.. لتتوالى الثورات بعد ذلك في مصر ثانية، وأدت إلى اندحار وانحسار نظام حسني غير المبارك، ولتقام الأفراح والليالي الملاح في شوارع ومدن ومحافظات مصر المحروسة.. وفي ليبيا اليوم على الشكل المأساوي الذي نشهده على يد المعتوه المختل عقلياً وفكرياً القذافي، الذي يظن أن شعبه عُبّاد له وعبيد لمزاجه المهلوس بعظمة الشهرة والمناصب، وتتزامن ثورة طرابلس الشامخة مع ثورات في اليمن والبحرين بالشكل الذي نشهده اليوم وشبيهات لها في الجزائر وعمان والعراق، باعتبار أن الإخيرة تموج بالثورات المنددة منذ احتلالها ولا فرق بين سقوط حكومة وتشكيل أخرى، فقد مضى زمن الرجال في بغداد وبقيت الأماكن والمناصب في أيدي أشباه الرجال وأنصافهم!.. نعم.. هذا هو وطننا العربي الكبير.. يشتعل من محيطه الواسع إلى خليجه الصغير، والعالم الغربي يرى بعين المتفرج الذي يتسلى وبنظرة الطامع الذي يتمنى، ونحن من علينا أن نؤيد أو نرفض.. أن ننضم للثورات أو ندعو لإخمادها.. قلتها بالأمس وأقولها اليوم: رحم هذه الأمة لا يتحمل تكرار الولادت العسيرة التي نشهدها اليوم على شعور صريح منا بأن زمن الصحوة قد أتى وزمن الغيبوبة قد ولى، وأخشى من يوم تتعود هذه الشعوب على الانتفاضة فلا تعود تميز في حكامها الصالح منهم والطالح، لمجرد أن (يسقط النظام) وتُستنسخ الثورات وسجل يا تاريخ!!.. أخشى أن يرى أعداؤنا فينا القنوات السرية لقلقلة الأمن في بيوتنا وعلى أراضينا كما تفعل واشنطن اليوم، التي تحشر أنفها الكبير في ثوراتنا بحسب مصالحها كما فعلت في ثورة ليبيا التي ظل أوباما صامتاً حتى اليوم الثامن من وقوع المجازر القذافية ـ قاتله الله ـ ليعلن أن لجنة من البيت الأبيض ستعمل على إمداد الرئيس بكل أحداث طرابلس وبنغازي ليكون رده بعد سقوط الآلاف من الأبرياء (إنه يحترم خيار الشعب الليبي في تحديد مصيره)، وساعدت أمريكا على إقرار عقوبات صارمة بحق القذافي وأبنائه!! والسؤال هنا يكبر ويكبر: ما الذي تريده أمريكا من ثورات الشعوب والنقمة على أصدقاء الأمس كما كان الحال مع حسني مبارك الذي ظل خادماً للمصالح الأمريكية وحارساً أميناً للوجود الإسرائيلي في قلب الأمة العربية وعلى حساب الشعب الفلسطيني الذي لم يجد في حكومة مصر الفانية سنداً له، على عكس شعوره تجاه الشعب المصري الفخور بنفسه اليوم، وتعطيله للمصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية التي احتضنتها القاهرة بعد سحبها من أراضي مكة الطاهرة؟!.. ما هي مصلحة واشنطن اليوم في الاتصال مع قوى المعارضة الليبية في شرق البلاد، وقلب الطاولة على القذافي الذي يعد صديقاً كريماً مستجداً لأمريكا بعد دفعه الملايين لضحايا لوكيربي، وإعادة التعاون بينهما بما يزيد على مليارات الدولارات؟!.. هل أصبحت ثوراتنا مصلحة لنا أم لأعدائنا؟!..هذا هو السؤال الذي يجب أن يجيب عنه أهل الثورات اليوم، لا سيما في الدول غير ليبيا.. باعتبار أن ثورة ليبيا جاءت متأخرة جداً ضد هذا المخبول الذي أستغرب حتى هذه اللحظة كيف حكم دولة بحجم ليبيا وهو لا يملك دستوراً ولا ميثاقاً، ويحكم بحسب أفكاره التي ضمنها كتابه الأخضر المعوج الذي استحال بمزاج هذا المعتوه إلى كتاب أحمر بدم أبرياء، أرادوا الحرية وسينالونها بإذن الله؟!.. علينا أن نفكر ونفكر ونفكر.. قبل أن نستبيح جسد هذه الأمة بالثورات والهتافات، رغم الشعور بالفخر لتساقط بيادق الملوك عند أقدام الجنود!. فاصلة أخيرة: صعب أن تتكرر ثورة تونس.. والأصعب أن يستنسخ البعض ثورة مصر! ومن المستحيل أن تشابه ثورة مثل ثورة ليبيا! فكلهم كانت دروساً مجانية في الوطنية والحرية وما تلاهم.. دروس خصوصية!