11 سبتمبر 2025
تسجيللا أعرف هل كانت الصدفة وراء تاريخ أعظم انتفاضتين شهدتهما في حياتي، وهما انتفاضة يناير 1977 وثورة يناير 2011. لماذا اختارت السلطة الحاكمة في الحالة الأولى أن يكون يوم السابع عشر من يناير يوما لإعلان ارتفاع أسعار قائمة أكثر من مائة سلعة بشكل خرافي قياسا على دخل الفرد ذلك الوقت. الحديث عن قائمة الأسعار طويل لكن على رأسها إلغاء رغيف الخبز الذي كانت قيمته خمسة مليمات ليكون بقرش صاغ، أي عشرة مليمات. ارتفعت اسعار البنزين والسجائر والأرز والسكر وما تشاء، فجاء اليوم الثامن عشر يوم الخروج العظيم من المصانع قادته النقابات، ومن الجامعات قادته حركة الطلاب في الجامعة الذين لم يكن بينهم وبين السادات عمار، فهم من قادوا المظاهرات أعوام 1971-1972- 1973 من أجل الحرب لاسترجاع سيناء المحتلة، وهم من قادوا المعارضة للسادات بسبب التطبيع ومعاهدة كامب ديفيد. لم يأت الخروج الكبير في الثامن عشر من يناير من فراغ لكن من سنوات سابقة من النضال بدأت حتى في عهد عبد الناصر في مظاهرات عام 1968 التي انطلقت بسبب الأحكام التافهة على قادة الطيران أهم اسباب هزيمة 1967 فأعيدت المحاكمة. توقفت حركة الاحتجاج التي بدأت تنتعش تقديرا لحرب الاستنزاف التي بدأت عام 1968، لكن عادت حركات المعارضة بسرعة مع السادات الذي تولى الحكم عام 1971 وسرعان ما أعلن تراخيه عن الحرب. عشرات الكتب كُتبت عن تلك الأيام وساهمت فيها أنا أيضا ومئات المقالات، ولم أغب عن المظاهرات إلا نادرا وعرفت كثيرا جدا من القيادات العمالية والطلابية، كثيرون منهم رحلوا وكثيرون أحياء وقليلون من تغيرت قناعاتهم أو سكتوا بحكم العمر والسنين. كانت الحركات الطلابية والعمالية مادة لكثير من رواياتي وبصفة خاصة روايات مثل «بيت الياسمين» و «هنا القاهرة» و»الإسكندرية في غيمة» لكن بمناسبة يناير قفز السؤال لماذا يناير؟. ثورة يناير 2011 أيضا سبقتها حركات تمرد كبيرة على رأسها حركة كفاية و6 إبريل وهيئات كبيرة من أجل التغيير مثل القضاء واساتذة الجامعة والمحامين والأطباء وغيرها، ولم تنقطع قبلها المظاهرات حتى كان الموعد يناير. كل أسباب ثورة يناير 2011 معروفة من المعارضة أو من النظام الحاكم نفسه، لكن جاءت الثورة في يناير أيضا. يمكن أن تكون سلمية الشباب الذين ارادوا الخروج لتهنئة الشرطة في عيدها في الخامس والعشرين من يناير، استغلالا لذلك اليوم الذي قاومت فيه الشرطة في معركة كبيرة قوات الاحتلال البريطاني في الإسماعيلية..كان ذكاء من الشباب الخروج في يوم عيد الشرطة توقعا أن لا تقوم الشرطة نفسها بإفساد عيدها بالاعتداء عليهم. وصل الشباب إلى ميدان التحرير بلا تعب يوزعون الورود على قوات الشرطة. لكن مع الساعة الثانية عشرة ليلا اعتبرت الشرطة أن اليوم انتهى وبدأ تفريغ الميدان والقبض على الحاضرين واشتعلت الحياة السياسية فكان الثامن والعشرين من يناير يوم النزول العظيم. مناسبتان في يناير، الأولى اختارتها السلطة لتكون بداية عسف واستغلال اقتصادي، والثانية اختارها الشعب ليكون انتفاضته وثورته. رغم نجاح النظام الحاكم في إفشال حركة الشعب سيظل يناير شهر التفاؤل والأمل. شهر الشهور الحقيقي في العام. وأتذكر قصيدة أحمد فؤاد نجم بصوت الشيخ امام التي ارتفعت في سماء مصر بعد انتفاضة يناير 1977: حد فيهم شاف علامة من علامات القيامة قبل ما تهل البشاير يوم تمنتاشر يناير.... ----------واسألي لي بالعتاب كل قارئ في الكتاب حد فيه مكان يصدق بعد جهل بعد موت إن حس الشعب يسبق أي صوت..