27 أكتوبر 2025

تسجيل

الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف.. بين المانعين والمجيزين

31 ديسمبر 2015

سألني بعض الإخوة أن أقول رأينا في حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.. فقلت: أرى أن استحضار ذكرى ولادته، صلى الله عليه وسلم، لا بأس به وقد يستحب إذا لم يأخذ شكل العيد الشرعي من عطلة وتخصيص شعائر أو طعام أو رقص وما شابه.. وأقول: ومن يرفضون الاحتفاء بهذه الذكرى فهم يسوقون مجادلات قد تبدو منطقية ولكنها عند التدقيق ليست كذلك.. وغاية مستندهم حجتان، أن هذا الاحتفال مخصوص بوقت من كل عام وهذا – في قولهم - هو المعنى الحرفي للعيد، وبما أن العيد عبادة فلابد من نص لتشريعه وإلا فهو بدعة مستنكرة، وقالوا: إذا كان الاحتفاء بالمولد قربى لله تعالى، فهو علم، إما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبلغه، أو جهله وهذا انتقاص للنبوة وعلمها.وأقول: أما أنه عيد وبدعة.. فليس هذا بصحيح، فالعيد كمصطلح له معنيان، المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، فالعيد لغة من العود، فهو ما يعود من همٍّ أو مرض أَو شُوق أو نحوه وهو كلُّ يوم يُحتفَلُ فيه بذكرى حادثةٍ عزيزة.. ومنه عود الذهاب للوظيفة يوميا والعلاج المحدد بالوقت نفسه أو الطريقة.. وهذا غير محرم ومنه وإليه ينسب الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف.. وأما العيد اصطلاحا فهو مختص بيومين من السنة يعقب أحدهما رمضان فهو عيد الفطر والآخر في العاشر من ذي الحجة وهو عيد الأضحى.. وليس خافيا أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس أحد الاثنين ولا يشبههما في الشعائر ولا في الطقوس ولا في الاهتمام. وليس صحيحا أن كل عبادة مضافة بدعة، لأن العبادات في الإسلام نوعان، عبادة شعائرية محددة بشكل وزمن ووقت وصفة كالصلاة والصيام والحج وليس الاحتفاء بالمولد منها، أو عبادة عامة شرع أصلها وترك شكلها وتوقيتها لحسابات المصلحة والمفسدة وأرى أن الاحتفاء بالمولد منها.. فأصله مشروع وهو الفرح بولادته صلى الله عليه وسلم ووعظ الناس وتذكيرهم بسنته وسيرته، كما الجهاد – مثلا – فقد شرع أصله وصار القيام به عبادة ثم ترك للمسلمين وولي أمرهم توقيته واختيار أسلحته وأدواته، فلا يأت من يقول إن سلاح الطيران بدعة لأن التنزيل لم يتعلق به.. وأما أن الاحتفاء بالمولد النبوي علم أو جهل.. فليس الأمر بين هذه الثنائية.. فهناك ما سكت عنه الشرع لا عن نسيان ولا عن جهل فتحا لباب الاجتهاد ورحمة بالمسلمين كالمصالح المستجدة والذرائع السبل للحرام وهناك ما أصله مشروع ثم طرأ عليه ما أحاله لحرام، وما أصله الحرام فأحل للضرورة.. وكل هذا لم يتعلق به التنزيل ولم يتحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فالمسكوت عنه قد يكون مباحا أو مستحبا أو واجبا وما يتعارض منه مع الأصول أو المصالح العامة قد يكون مكروها أو حراما.. وعليه فأرى أن الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف إن قصد به تذكير الناس بدين الله وشعائره وسنة نبيه وسيرته، وخلا من البدع فالمصلحة فيه راجحة في هذا الزمان حيث يراد تنسية رسول الله صلى الله عليه وسلم واستصغار مناسبات الإسلام والتجهيل بشرائعه وقيمه.. وأنه لا يصح تنصيب طرائق المبتدعين والخرافيين والمغالين نموذجا أوحد لصورة الاحتفاء بالمولد النبوي ثم بناء الاستنكار عليه بذلك.. ولا ضرورة لاقتناص ظاهر دليل هنا أو هناك أو الاجتهاد في وضع جدليات منطقية لا سند لها من علم أو واقع.. وعلى الكافة ممن يؤيدون الاحتفال أو يعارضونه أن يتنبهوا إلى أن القضية برمتها من فروع الدين لا أصوله وتدخل في باب الاجتهاد وتقدير المصالح والاستحسان وليس التنزيل، ويتنبهوا أن لكل من المعارضين والموافقين وجهته المحترمة التي نحسن الظن فيها، ويتنبهوا إلى أنه لا حرج في القول إن هذا الاحتفال عبادة عامة وقربى عامة وليس من معنى البدعة شيء. آخر القول: إذا كنا خلصنا لجواز الاحتفال بالمولد النبوي، بل استحبابه في هذا الزمان، فإن من الضرورة بمكان أن نحذر من أمرين، من البدع والخرافة وصنع شعائر بعينها لهذا الاحتفال، ومن المفسدين في الأرض الذين يحاربون شرع الله ويخونون الأمة ثم ينافقون بالاحتفاء بهذه المناسبة فيما هم يهدمون ذات الدين وجوهر الرسالة.