19 سبتمبر 2025

تسجيل

"الجذب والطرد" بين تركيا والاتحاد الأوروبي

31 ديسمبر 2011

أقفل العام 2011 على تحديات كبيرة أمام السياسة الخارجية التركية بعضها موروث وبعضها مستجد وبعضها يفتح أمام المزيد من التداعيات. وبعد المشكلة التي انتهت اليها العلاقات مع فرنسا بسبب مشروع القانون الذي أقره البرلمان الفرنسي والذي يجرّم من ينكر وجود "إبادة" بحق الأرمن عام 1915 هاهي تركيا تدخل العام الجديد وهي تواجه مشكلة ترؤس جمهورية قبرص اليونانية للرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من العام الجديد والتي تستمر ستة أشهر. ومنذ الآن أعلنت أنقرة أنها لن تعترف برئاسة قبرص للاتحاد على امتداد الستة أشهر المقبلة.وهذا سوف ينعكس على كل علاقات تركيا مع الاتحاد بما فيها مفاوضات العضوية المباشرة. بل أن انقرة لمحت إلى أنها قد تسحب قوات لها من أراضي الاتحاد على اعتبار أن قبرص ستترأس بدورها كما هو متعارف عليه رئاسة أركان الجيوش الأوروبية المشتركة كونها الرئيسة الدورية للاتحاد. لا يختلف اثنان على أن قبرص تعتبر "شأنا داخليا" تركيا انطلاقا من الاتفاقيات الراعية لاستقلال الجزيرة حيث تركيا طرف فيها.كما أن الوجود التركي في قبرص يعتبر خطا أحمر فهو الوحيد الذي يحول دون وقوع كامل قبرص بيد اليونان والحضارة الهلينية. لكن استمرار هذا الوضع غير الطبيعي بين تركيا وقبرص يضع منطقة شرق المتوسط في مناخ غير مستقر ومفتوح على كل الاحتمالات. ولقد كان هذا الخلاف فرصة للقوى الأخرى الساعية إلى الهيمنة على شرق المتوسط لتتغلغل عبر هذا الخلاف وتزيد من تعقيد التوازنات القائمة. فإسرائيل على سبيل المثال مدت خيوط التعاون مع قبرص بعدما اهتزت علاقاتها مع تركيا بل بادرت إلى توقيع اتفاقيات للتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط ما أثار حنق الأتراك الذين اعتبروا ذلك تجاوزا لما هو من حقوق القبارصة الأتراك. وروسيا بادرت بدورها لى إعلان دعمها لقبرص اليونانية في وجه التهديد التركي.وروسيا تاريخيا وثقافيا راعية للقبارصة اليونانيين ولليونان على قاعدة الثقافة الارثوذكسية المشتركة فضلا عن أهمية البلدين في الصراع مع تركيا ومن ورائها الولايات المتحدة على النفوذ في المتوسط. لا تزال قبرص تشكل عقدة لتركيا في سعيها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.وهي إجمالا تقع موقع الطرف الأضعف في هذا الصراع. فأنقرة هي التي تمد يدها طالبة "القرب الأوروبي"وفي هذه الحال عليها أن تتقيد هي بدفتر الشروط الأوروبية.وما فعلته تركيا أنها تريد أن تدخل أحيانا إلى الاتحاد بشروطها هي وهو ما يتعارض مع نظرة الأوروبيين إلى الوضع. ورغم السياسات الجديدة المنفتحة على حلول عقلانية فقد فشل حزب العدالة والتنمية في اختراق حاجز قبرص من أجل مواصلة طريقه الأوروبية.فرفض تركيا للتعامل مع قبرص اليونانية على أنها تمثل كل جزيرة قبرص دفع الاتحاد إلى وقف المفاوضات مع تركيا حول ثمانية فصول.فيما تتقدم المفاوضات حول بقية الفصول ببطء شديد بحيث لا يتوقع أن يحصل اختراق استثنائي للجمود الحاصل. وإذا كانت تركيا لا تستطيع أن تفرض شروطها على الاتحاد فإنها ستكون مقيدة بشروطه.ولا معنى لتقول أنها تريد العضوية من دون الاعتراف بدوله الأعضاء ومن بينهم قبرص اليونانية. وبين الخلاف مع فرنسا حول "الإبادة" الأرمنية التي يعترف بها الاتحاد الأوروبي، والتهديد بوقف العلاقات مع الاتحاد بسبب ترؤس قبرص اليونان للاتحاد تكاد أنقرة تجد نفسها في وضع حرج.خصوصا أن استطلاعات الرأي المتعددة في تركيا لم تعد تعكس تأييدا وحماسة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.وإذا كان النمو الاقتصادي الإيجابي الذي تشهده تركيا يشجع الأتراك على الاعتقاد أن بإمكانهم أن يتفدموا من دون اتحاد أوروبي،غير أن العلاقة التركية- الأوروبية لم تعد خيارا حرا لا للاتحاد ولا لتركيا.إذ أن تداخل العوامل الجغرافية والسكانية والثقافية لم تعد تسمح ب "ترف" رفض الواحد للآخر.لذا لم تكن مواقف رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان من فرنسا حادة على الصعيد العملي واستمرت العلاقات الاقتصادية بكامل زخمها. وإذا كان من المستبعد أن تصل العلاقات بين الطرفين التركي والأوروبي إلى مرحلة الزواج الكامل فإن لعبة"الطرد والجذب" ستبقى عنوان هذه العلاقات لفترة طويلة.