17 سبتمبر 2025
تسجيليبقى أعلام الذاكرة الشفاهية في قطر من أهم مصادر تاريخنا المعاصر، الذي يعنى بالعرف التراثي الذي هو جزء من الهوية الوطنية لدولة قطر، ومطلوب من الجهات الثقافية ان تبادر الى توثيق سير ومآثر هؤلاء الرواة والاخباريين؛ لكونهم يحفظون الكثير من فنون الأدب الشعبي والتاريخ الاجتماعي الذي لم يوثق بأكمله بعد. من هؤلاء الرواة الذين فقدتهم قطر بالأمس القريب الوالد سلمان بن عيسى بن محمد الحسن المهندي والمعروف بين العامة باسم (سلمان بوعبّود) الذي عاش في الفترة ما بين ( 1925 - 2020) أي ان عمره تجاوز الخامسة والتسعين، ويقال انه وصل المائة عليه رحمة الله. والفقيد سلمان بوعبود من الشخصيات التي عاصرتها - شخصيا – وجالستها لفترة طويلة، ونهلت منها الكثير من مآثر اهل قطر ومناقبهم، عبر تاريخهم الطويل الذي عاشوه سواء في حياة الغوص على اللؤلؤ أو حياة البادية في نفس الوقت، حيث عرف عنهم انهم يذهبون الى البحر بحثا عن رزقهم وقت الصيف، من خلال دخولهم الغوص لصيد اللؤلؤ، وفي الشتاء يعيشون حياة البادية وقت الربيع، وهكذا كان شغفهم طوال تلك الحياة التي سبقت اكتشاف النفط وتصديره لأول مرة في تاريخ قطر مع نهاية سنة 1949م. كان الوالد سلمان من أهم الرواة الذين تعرفت عليهم عن كثب، من خلال اهتمامه بالتاريخ الاجتماعي للمجتمع القطري، وكذلك اهتمامه بعلم الأنساب لقبائل قطر وموطن سكنهم والقرى والبلدات الساحلية والبرية التي قطنوها خلال القرنين الماضيين، وبخاصة من كان ينزل في شمال شرق قطر الساحلي على وجه التحديد، كما كان بحرا واسعا لسير أهل قطر من وجهاء وشعراء وأدباء وأصحاب الحل والعقد خلال القرن المنصرم. من جهة أخرى عرف عن الراوي الوالد سلمان أنه ذو علاقة بالعديد من رجالات قطر المعروفين في الوقت الراهن، من شيوخ وأعيان ورؤوس قبائل، حيث كان يتردد عليهم كثيرا، ويزورهم في المناسبات الاجتماعية وكذلك في الأيام العادية، ومنهم الشيخ علي بن سعود آل ثاني صاحب المجلس اليومي الذي يحضره أغلب أهل قطر على الفترتين الصباحية والمسائية، بتشريف الكثير من رجالات قطر الذين لا ينقطعون عن هذا المجلس العامر طوال أيام العام. من النوادر التي عرف واشتهر بها الراوي الوالد سلمان بوعبود انه كان حافظا وراويا لقصائد شعراء قطر القدماء في المجال النبطي، ومنهم بكل تأكيد شاعر قطر محمد بن عبدالوهاب الفيحاني المتوفى عام 1939م وهو من فحول شعراء النبط في الجزيرة العربية على الاطلاق. والفقيد سلمان هو الأخ غير الشقيق للراوي والاخباري المرحوم جبر بن جمعة آل سيف الكواري، أحد اشهر رواة شعر الفيحاني، وكانت وفاته في تسعينيات القرن الماضي عن عمر تجاوز التسعين سنة تقريبا. كلمة أخيرة: لقد طويت صفحة أخرى من صفحات تاريخ وتراث قطر الشفاهي، ولكنها ستبقى شامخة، وما من شك ان التأريخ لأمثال هذه الشخصيات عبر هذه السطور هو بمثابة التوثيق المهم لحفظ هذه السير من الضياع، رغم قلة مادتها، الا انها تؤدي الغرض في وقت تجاهل فيه الكثير من الكتاب الإشارة لرجال قطر الأولين عبر الأعمدة الصحفية. رحمهم الله جميعا رحمة واسعة. [email protected]