31 أكتوبر 2025
تسجيلساعات تفصلنا عن بدء الانتخابات البرلمانية الثانية لهذا العام في تركيا بعد فشل الأحزاب في تشكيل حكومة ائتلافية، لأول مرة منذ العام ألفين واثنين ستجري الانتخابات وسط أزمة سياسية حادة تواكبها اضطرابات أمنية متنقلة، ومتغيرات إقليمية شديدة التأثير على تركيا بأحزابها وسياسيها. يتنافس على خوض هذه الجولة ستة عشر حزباً، يأتي في مقدمتهم حزب العدالة والتنمية الذي يتفرد بالحكم منذ عقد من الزمن يليه في الترتيب من حيث عدد الأعضاء في البرلمان الحالي حزب الشعب الجمهوري، ثم حزبا الحركة القومية والشعوب الديمقراطية. بعض الاستطلاعات تتوقع حصول أحزاب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي على نسب 44، 27، 13 و11 في المائة على التوالي. طبعا الاستطلاعات تتفاوت في توقعاتها، وإن اتفقت أغلبها على أن حزب العدالة والتنمية قد لا يتمكن من تحقيق تغيير كبير يمنحه قدرة مطلقة في تشكيل حكومة بشكل منفرد. فنسبة المتغيرات قياسا على الانتخابات السابقة عديدة ومهمة، بعضها داخلي بطبيعة الحال وبعضها خارجي قد لا يقل تأثيرا على الناخب التركي في خياراته من العامل الداخلي. وباتفاق أغلب المحللين، فإن التطورات الإقليمية تسيطر على قرار الناخب التركي حاليا. كما أن فشل المعارضة التركية في التوافق بينها في تشكيل جبهة موحدة أمام العدالة والتنمية أثّر بدوره على قرار الناخب. وفي هذا الأمر تقول استطلاعات الرأي إن القوميين سيتراجعون نقطة أو أكثر بسبب الرفض الدائم الذي مارسوه في الفترة السابقة. وهناك توقعات بتقدم حزب الشعوب الديمقراطي على الحركة القومية بحيث يصعد للمرتبة الثالثة في البرلمان. ثم إن رفض الحركة القومية التفاهم مع الشعوب الديمقراطية سابقاً، سيدفع الناخب المؤيد للقوميين التوجه بصوته لأقرب من يمثله، ولن يجد أمامه سوى العدالة والتنمية أو الشعب الجمهوري كأكبر الأحزاب التي تملك فرصة التأثير على مجرى الحياة السياسية في البلاد. وإذا كان من غير المرجح حصول حزبي السعادة والوحدة على أزيد من 2.6 بالمائة ما يحول معه تخطي عتبة 10% المطلوبة لدخول البرلمان، فإن بعض الأصوات المحسوبة على الحزبين قد تتسرب لدعم حزب العدالة والتنمية خوفا على أصواتها من الضياع. وبما أن نسبة المترددين الذين لم يحسموا قرارهم تتراوح ما بين 14 إلى 18% رغم سعي الأحزاب قاطبة لاستمالتهم. فضلاً عن انضمام 600 ألف صوت جديد من الشباب إلى العملية الانتخابية. وهؤلاء الشباب ومن هم دون 30 سنة لا يعرفون تركيا قبل حزب العدالة. لذا اهتماماتهم السياسية تختلف كليا عما تطرحه الأحزاب القائمة بما فيها العدالة والتنمية. الوضع الاقتصادي بدوره هو مقلق مع تراجع قيمة الليرة التركية وتباطؤ في الاستثمارات العالمية وركود في الأسواق الداخلية. ثم الحرب على العمال الكردستاني ستؤدي إلى تغذية الاستقطاب الهوياتي العرقي في الانتخابات بما يجعل من عمليات التنبؤ أمراً مربكاً إلى حد ما. ومن جملة ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار أنه في الانتخابات السابقة عزف عن الاقتراع نسبة كبيرة من أنصار العدالة إما شعورا بأن حزبهم سيفوز وإما تململا من سياسات أردوغان، ويحاول الحزب تشجيع هؤلاء على المشاركة مجددا. الخطابات السياسية للمعارضة خلال الحملات الانتخابية التي بدت فاترة بعض الشيء كانت أقل حدة عما كانت عليه في الانتخابات السابقة، وقد أبدت مرونة في تصريحاتها السياسية تجاه تشكيل حكومة ائتلافية. ولعل ما يهم العدالة والتنمية حاليا هو كيفية الحيلولة دون بلوغ حزب الشعوب الديمقراطي العتبة الانتخابية المطلوبة وهي 10%. لكن الخطورة لن تتأتى من تخطي الشعوب الديمقراطية العتبة بقدر عجز حزب العدالة عن تحقيق فوز مريح وكاسح لأنه سيكون عاجزا تماما ومكبلا في تشكيل حكومة قوية. وربما قد يتعرض الحزب لعمليات انشقاق في حال تدنت نسبة حصته في البرلمان أو اضطر لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب آخر. ومعه ستضطرب الحياة السياسية أكثر لاسيَّما أن أردوغان معروف بالإقدام لحد التهور. وقد يدعو إلى انتخابات جديدة بدلا من تقديم تنازلات لأحزاب، يريد مرغما مشاركتها في تشكيل الحكومة القادمة. ويبقى السؤال المحوري هل ستخرج تركيا من أزمتها السياسية بتشكيل حكومة ائتلافية في حال فشل حزب العدالة والتنمية في كسب الأغلبية المطلقة في البرلمان القادم؟ قد تكون الإجابة في صناديق الاقتراع التي تنتظر أوراقها.