01 نوفمبر 2025

تسجيل

عندما يختفي الإنسان بين النصوص!!

31 أكتوبر 2013

بحثت عن نص الاتفاقية الأمنية التي وقعتها دول مجلس التعاون فيما بينها، فقد تكون هذه الاتفاقية هي التي استندت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة لحجز الدكتور محمود الجيدة لمدة تسعة أشهر من دون محاكمة وبدون تهمة واضحة حتى الآن، ولكني تفاجأت خلال بحثي بوجود اتفاقية تم اعتمادها خلال الدورة الثالثة والثلاثين المنعقدة في البحرين بتاريخ 24 و25 ديسمبر من عام 2012، أي أنها اتفاقية جديدة نسبيا، ولكن الغريب أن مسودة هذه الاتفاقية لم تناقش قبل إقرارها بشكل واضح وصريح في وسائل الإعلام الخليجية وكأن هناك رغبة في إبقائها غير علنية حتى يتم اعتمادها بشكل كامل. حفل الإعلام الكويتي دون غيره بالكثير من النقاشات عن هذه الاتفاقية بعد اعتمادها، أما بقية دول الخليج فلم يكن إعلامها بقدر المسؤولية لمناقشة حدث كبير مثل هذا، فلم أجد أي نقاش لهذه الاتفاقية في أي موقع إخباري خليجي آخر، وحتى الموقع الرسمي لمجلس التعاون الخليجي والذي هو في نظري موقع احتفالي أكثر منه خبري لم ينشر نص الاتفاقية بل نشر فقرة صغيرة عنها تبدأ بديباجة تقليدية باهته لم تتغير منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في 1981 وكأن كل قادم جديد على هذا الموقع يتعلم من أستاذه القديم من دون أي مبادرة لتغيير أسلوب كتابة الأخبار وصياغتها أو على الأقل نشر الاتفاقيات الموقعة به. من الغريب أن مجلس التعاون مازال يقع في ذات الأخطاء التي وقع فيها منذ أن تم التوقيع على اول اتفاقية أمنية، فوجود مثل هذه الاتفاقيات بين دول المجلس لايعني أنها نافذة فاعلة أن لم يتم تطوير الأجهزة الأمنية والقضائية، فالمصطلحات يتم التلاعب بها على حسب الرغبة، ومازالت كلمة مثل (الإرهاب) لها عدة معاني تترجمها كل دولة كما يصلح لها ويتناسب مع توجهها الأمني، وكلمة التشريعات الخليجية كلمة هلامية غير واضحة، فعن أي تشريعات يتم الحديث أن كانت أغلب دول الخليج تفتقد لآليات واضحة لإصدار لتشريعات ووضعها موضع التنفيذ من دون استثناءات وتدخلات؟ أما الأنظمة القضائية في أغلب دول الخليج فما زالت غير مستقلة بالمفهوم المتعارف عليه دوليا، وحتى أسلوب اختيار القضاة وتدريبهم وترقيتهم تتم وفق معايير تجاوزها الزمن منذ فترة طويلة، وعلى ذلك فإن أي اتفاقية ستترجم بشكل مختلف باختلاف الجغرافيا والوضع السياسي والأمني. وحتى نعرف سبب التعامل مع الاتفاقية الأمنية بنوع من التكتم يجب أن نعرف الظروف التي خرجت فيها، فهي في ذروة أحداث الربيع العربي، أي أن هناك من يريد أن يستخدمها لوقف موجات المطالبة بالإصلاح، وهناك من يعاني من اضطرابات داخلية يحاول أن يستخدمها لصالحه، وهناك من أصابته حمى الخوف من الإسلاميين فوجد فيها فرصة لاعتقال من يحب اعتقاله. قرأت نص الاتفاقية ووجدت أنها صيغت بأسلوب (ركيك) غير واضح وغير مفصل، وكان من كتبها لم يكمل مستواه العلمي المطلوب للعمل في هيئة قانونية يقع عليها عبء كتابة النصوص القانونية بشكل دقيق غير قابل للتأول والتفسير. دعوني أعطيكم مثلا على ذلك، ففي البند السادس من الاتفاقية كتب هذا النص عمل الدول الأطراف، قدر الإمكان على الآتي: أ ـ تبادل المعلومات والخبرات التي من شأنها الإسهام في تطوير سبل منع ومكافحة الجريمة على اختلاف أشكالها وأنواعها، لاسيَّما الجريمة المنظمة عبر الوطنية المستجدة، وتقديم الدعم الفني في جميع الشؤون الأمنية بما يحقق التكامل المنشود. فما معنى: لاسيَّما الجريمة المنظمة عبر الوطنية المستجدة؟ كنت اعتقد بعد أن قرأت هذا النص انه خطأ مطبعي ولكني شاهدت في موقع إخباري كويتي لقاء مسجل مع السيد أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة السابق، ذكر فيه هذا النص كما هو مكتوب أعلاه، وطالب أن يشرحه له أحد لأنه لم يفهمه وأنا أيضاً أضم صوتي للسيد السعدون وأعلن أنني لم افهم شيئا وأطالب أن يشرح لي احدهم المقصود هنا. ثم أريدكم أن تقرأوا المادة 16، وتقولي لي إن كنتم تفهمون أي شيء منها، ففيها النص التالي: عمل الدول الأطراف وفقا لما تقضي به التشريعات الوطنية والاتفاقيات التي تلتزم بها الدولة الطرف المطلوب منها التسليم على تسليم الأشخاص الموجودين في إقليمها، الموجه إليهم اتهام، أو المحكوم عليهم من السلطات المختصة لدى أي منها. وما معنى التسليم على تسليم؟ لست قانونيا ولكني أريد أن اقرأ بنودا واضحة، لايتم استخدامها ضدي كمواطن خليجي، وإنها لن تحتاج لجهابذة القانون ليفسروا إشكالياتها وتعقيداتها، لنكتشف بعد فوات الأوان أن هناك مفسرين مختلفين في كل دولة خليجية تبعا لما تمليه متطلباتها الأمنية والسياسية. أعلن أني استسلمت، فلم أجد نصا واضحا ينص بشكل واضح على أن دولة الإمارات العربية المتحدة تملك الحق القانوني في احتجاز مواطن قطري من دون محاكمة علنية وبدون تهمة واضحة لمدة تسعة أشهر، بل إنه بدأ يعاني من سوء معاملة ومن أمراض كان يعالجها في مرضاه ولم يجد من يعالجها له بعد أن تمكنت من جسده. إن مجلس التعاون الخليجي هو الجغرافيا المستقرة في منطقة تغلي أو هكذا نتمنى أن نعتقد، فسوء اختيار المستشارين وعدم تمكن القانونيين من عملهم كما هو وضح من الصياغة، والسرعة في إنجاز اتفاقيات أمنية، ليست كلها سوى وصفة لطبخة سيئة قد تصيب المنطقة بعسر هضم في المستقبل القريب. والآن، هل اعتمدت الإمارات في اعتقالها للدكتور الجيدة وحجزه لمدة تسعة أشهر في ظروف صعبة على مواد هذه الاتفاقية؟ وهل لها الحق في إعتقال من تشاء عندما تشاء؟ وكيفما تشاء ولأي فترة تشاء؟ إذا كان ذلك الحق مكفول لها في الاتفاقية فنحن أمام أزمة قانونية حقيقة، أما أن لم يكن لها الحق في ذلك، فاقترح أن نبحث عن استخدام أفضل للأوراق التي كتبت بها.