14 سبتمبر 2025

تسجيل

في حضرة الحبيب

31 أكتوبر 2011

قوافل تتبعها قوافل غزت السير نحو كوة النور هناك، قوافل تركت الدنيا خلفها، تركت كل ما يشغلها وشغلها طويلاً طويلاً من أهل، ومال، وولد، قوافل استصغرت كل مباهج الدنيا من جاه، ومنصب، وشهرة، وسطوة، وراحة ونعيم لتخرج بخرقتين تماما كاللتين استقبلت الحياة بهما بعد الميلاد، لا ألماس، ولا ذهب، ولا حرير، ولا أبهة تخطف العيون، كل النعيم خلف الظهر خلوه، بل استصغروه إلى جانب ما جهلوا طويلا أنه الأعز الأبقى! قوافل استيقظت من جب الدنيا السحيق الذي غيبها عمراً بظلامه الدامس عن النور الباهر، مسحت العيون التي أصابها العشى لترى ما لم تكن ترى، كانت غائصة من الرأس إلى أخمص القدمين في طين الأرض الذي لا يورث إلا حزنا، وهما، وندما! قوافل سمعت النداء وقد كان في آذانها صمم (لبيك اللهم لبيك) قوافل تتبعها قوافل تركت هوس الدنيا، وطنينها، وزخارفها، وبهارجها، ودفوفها التي تغوص بالغرق في بحار الطين وفي النفس رجاء واحد ترفعه للواحد الأحد بأن يعفو عما فات من ذنوب، وخطايا، وآفات، وأن يتكرم بمنن فضله، ورضوانه، قوافل على مد البصر شعثاً غبراً قطعت فراسخ، وأميالا، وبحارا، ووهادا، ومحيطات جاءت لبقعة النور من كل الدنيا تحدوها أمنية واحدة وحيدة عتق من النار، وفوز بالجنة. قوافل تشكو لربها السراب الذي ضحك على عطشها وهي على نهر الدنيا المغوية تشرب ماءه المالح فلا تزداد إلا عطشا، قوافل ذلت رقابها لرحمن الدنيا والآخرة، وخشعت جوارحها تشتكي ضعفها، وتشكو حزنها وبثها لتفريطها، قوافل تذوب قلوبها وهي في حضرة النور الأبهى، حزنا على زمن التقصير وموات القلب. قوافل في حضرة ملك الملوك تستحلف ربها لكل اسم هو له، وباسمه الذي إذا دعي به أجاب، وإذا استرحم به رحم أن يغفر زلاتها، ويستر عوراتها، يوم يقوم الأشهاد، قوافل محزونة، تجهش ببكاء أمر من تذكر طعم المعصية بعد التوبة ترجو ربها أن يتعطف عليها بمحو ما كان منها، قوافل كثيرة قد لا يحصى عددها يقينا يحتضنها (عرفات) لتسكب دمعها، وتناجي ربها، وترجو غفران ذنبها، وتفريج كروبها، على كل الشفاه نفس الدعاء، اللهم اقبلني، اللهم ارحمني، اللهم اعف عني، كم يشهد عرفات من نحيب، كم تذرف على جنباته من دموع، كم يسمع من خشوع التبتل والمناجاة والقلوب تهمس، أبوء بذنبي على نفسي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت انه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يتوالى الذل الجميل في حضرة المحبوب وكم يسمع (عرفات) والنفس تلوم نفسها وتبرأ من طينها وسوادها، كم يرى عرفات من تسليم واستسلام لرب العالمين القاهر فوق عباده، كم يشهد عرفات من وعود يقطعها الآيبون بقلوبهم ودموعهم لربهم بتوبة لا عودة بعدها لمعصية، ولا ظلم، ولا لقتل باغتياب، ولا فساد في الأرض، كم يشهد عرفات من إقرار واعتراف بالوهدات، والوقعات، والفجرات، والزلات، والعورات التي طالما سترها الستار، وكم يسمع من استغاثات وقد عظم الذنب وتعاظم، كم يسمع من قائل آه يا نفس كم ضيعت وأضعت، معصية تجر معصية، وصغيرة تجر كبيرة، وضيعة تجر ضيعات، ولما تتفتت الروح عذابا، والقلب وجعاً وشريط المعاصي يعود حياً يجلد كلا بذنبه يجأر المستغيثون (ربي إن كان لا يرجوك إلا محسن... فبمن يلوذ ويستجير المجرم؟) اللهم اغفر للحجيج كلهم واعدهم سالمين وقد غنموا، رضاك ورحمتك وهداك. * * * * * طبقات فوق الهمس * مسافرون إليه، أقبلوا عليه يلهجون بالحب كله (لبيك) لا يريدون إلا وجهه، ولا يطمعون إلا في رضاه، حسبهم أن يرضى، فقط يرضى، عاشوا في الدنيا غرباء وقد تقلب ناس الكوكب، ولما اشتدت وحدتهم وغربتهم ناداهم للانس به! بأي شكر يرد على فضل الكريم؟ هل تكفي دموع الامتنان ولم يجدوا أمنا، ولا سعادة، ولا فرحاً، ولا سكينة، ولا سلاماً ولا أمانا إلا معه؟؟ * عباد الله في الأرض أنواع، متعال، ومتواضع، هو من ذلك النوع الذي يخفض جناحه رأفة ورحمة بالناس، إذا تحدثت إليه بهموم المهمومين، أو عجز الفاقدين ليساعدهم قال حاضر، دائما يقول حاضر! حضر الله له الخير كله وجزى عبدالله الطيب عن تواضعه بالخير كله، ورفعه إلى حيث يليق به. * أحلى ما وصلني في مسج. * كن عظيما ودودواً قبل أن تصبح عظماً ودوداً. (العنود بنت فيصل آل ثاني)