12 سبتمبر 2025

تسجيل

المقدسات الإسلامية بين التسييس والتفريط السعودية نموذجاً

31 أغسطس 2018

تعيش المنطقة العربية في جناحها الخليجي تحولا استراتيجيا في تغير الخطاب السياسي أو تشظيه مع ما تلته الأزمة السياسية لهذه المنطقة في أخطر عناوينها الا وهي قضية حصار دولة قطر منذ ٥ يونيو ٢٠١٧ وما تخللته من انخرام الشكل التقليدي المتعارف عليه لمنظومة الحكم السياسي في الخليج العربي، يبدو أن الخارطة السياسية للمنطقة تتحول بشكل سريع نحو إرساء آلية للحكم الى حد الآن لم تفهم ملامحها لا من داخل الجهاز السياسي الذي يصنع القرار ولا من خلال الحاضنة التقليدية السوسيلوجية لهذه الأنظمة السياسية يبدو واضحا أن مناط هذه الدراسة ستشمل بالتأكيد الحديث عن الشكل السياسي والتنظيمي الجديد للدولة السعودية المقبلة بقيادة محمد بن سلمان ولي عهد السعودي الجديد. ولا يمكن كذلك أن نفهم حصار قطر بدون فهم هذه التحولات السريعة في المنطقة نحن بالتالي أمام ضرورة معاينة وتفكيك نسق التفكير لدى من ساهم في أزمة المنطقة الخليجية العربية وجرها الى حصار دولة شقيقة جارة كقطر. يبدو كذلك واضحا أن الثنائي السعودي الاماراتي بالرغم من الاختلافات الجوهرية في نظمه متفق على فكر سياسي يريد أن يفرضه على المنطقة العربية ككل وليس الخليجية فقط فنحن أمام جيل جديد من السياسيين الخليجيين الذين صادفتهم الظروف ولعبة الأمم الغربية في تصدر المشهد السياسي الخليجي والعربي ولكن بنسق عكسي يناكف الإصلاح والتجديد حتى ولو يدعيه كذبا أمام ما بات يصطلح عليه دول الثورات المضادة أو أعداء الربيع العربي ويبدو واضحا اليوم كذلك أن دول حصار قطر أدخلت كل الوسائل والادوات المحظورة في العرف الأخلاقي الدولي والخليجي العربي في صراعها مع صانع القرار القطري وشعبه والمقيمين فيه. أريد حقيقة أن اركز على عنصر هام في هذا الصراع ألا وهو الابتزاز الذي وظفته الحكومة السعودية فيما اصبح يتعارف عليه بتسييس المقدسات الإسلامية أو بالأحرى قضية تسييس الحج وهي الأزمة التي بدأت منذ ٥ يونيو ٢٠١٧ أي منذ إقرار الحصار على قطر وبالتالي انطلق فيه التصنيف فيما اسميه "كراس الشروط" لكسر سيادة دولة قطر في النقاط الثلاث عشرة الشهيرة والتي بضبابيتها القانونية والسياسية خرجت عن أفهام كل الفقهاء الدستوريين والسياسيين في القانون الدولي. والسؤال المطروح ماذا يريدون من قطر ومن شعبها؟ بالتالي فإن الخط السياسي الذي تتزعمه الامارات وشريكها السعودي قد ساهم بشكل كبير في قلب موازين الوفاق والاستقرار في المنطقة ووجد في منظومة صناعة القرار في قطر خصما سياسيا وفكريا وحضاريا ويبدو في تصوري أن ما جعل نجاح النموذج القطري مغريا مقارنة بتخلف واهتراء منظومة الحكم الإماراتية والسعودية وهي أنها تفتقد العبقرية في صياغة الأفكار وتتسم بالفقر الشديد في ابتكار ادوات جديدة لتسيير الدولة والمجتمع وبالتالي أفقدها التوازن بينها وبين شعوبها. وهو العكس الذي حصل لدولة قطر حيث انطلقت في رقمنة منظومتها الاقتصادية وذهبت أشواطا بعيدة في فلسفة القوة الناعمة في العلاقات الدولية كأساس لتغذية السلم والامن في العالم وبين الشعوب والثقافات وهو التميز الذي نجح فيه صانع القرار القطري أن يؤسس لدولة جمعت فيها اذكى العقول وأهم المبادرات ولا يمكن كذلك قراءة ترشح الدكتور الوزير حمد الكواري في المنظومة الأممية الثقافية اليونسكو الا تأكيد على هذا التوجه وبالتالي من هنا نفهم الحواجز التي أقيمت من دول الحصار ومن لف حولها لإفشال المرشح العربي الوحيد في حملته الانتخابية. يبدو أن النظام السعودي اليوم عندما أعلن أن كل الفرضيات مطروحة تجاه حصار قطر فهو بالتالي قد اجتاز حدود اللياقة والاخلاق تجاه دولة جارة وشعبها . وهو موقف لم يكن غريبا من شخصية سياسية تنقصها التجربة والثقافة في لعبة السياسة الدولية وهو نفس المطب اللذي وضع فيه نفسه ولي العهد السعودي مع الأزمة الدبلوماسية الكندية الأخيرة أن الإعلان عن النوايا الحسنة تجاه الغرب والمضي قدما في تصفية قضية المسلمين الاولى وهي قضية الأقصى المبارك وفلسطين فيما بات يعرف بصفقة القرن هو مؤشر واضح يقوض الأساس الأيديولوجي للدولة السعودية منذ نشأتها مرورا بالدولة السعودية الأولى والثانية وما تعارف عليه بحلف آل سعود والدعوة الوهابية في توليفة جمعت الدين والسياسة في بلاد الحرمين وبالتالي يجعل من المزاعم الإصلاحية لولي العهد السعودي متعارضة تماما مع الرمزية الدينية للمملكة العربية السعودية. إن اعتقال الدعاة والعلماء يزعزع صلابة هذا النظام وأساسه الفلسفي السياسي . الا انه في المقابل لم تتضح بعد الصورة الجديدة لمنظومة الحكم السعودي فهو لم يتخل كلية عن رمزيته الدينية وإن كانت مزعومة ولم يستطع من جهة أخرى أن يمنح لنفسه صبغة ليبرالية بعد ما أوضحت أزمته مع الغرب وقضايا حقوق الإنسان زيف هذا الادعاء أن الأزمة الدبلوماسية الأخيرة مع كندا والانتهاكات الحقوقية وحملات الاعتقالات والتي شملت كل التيارات وتسييس الحج وسعودته مع الحجاج القطريين والمقيمين فيها جعل الغرب يفطن إلى تآكل الطلاء الخارجي للنظام السعودي وأصبح يتشكك من التجديد الذي روج له صانع القرار السعودي.