21 نوفمبر 2025
تسجيلقد يسأل أحدٌ زميله: أين تشتغل؟: فيقول له: بالمحل الفلاني، وكم راتبك؟ فيقول له كذا، فيستنكر ويقول له: هذا المبلغ بسيط ولا يكفيك، وإن صاحب العمل لا يستحق جهدك ولا يستاهله، فتصبح كارهاً للعمل وتتركه، وتصبح بلا عمل، وقد تسأل أحداهنّ زوجةً من الزوجات: ماذا أعطاك زوجك حين أتاك مولوداً؟ فتقول لها: لا شيء، فترد عليها: لماذا؟، أليس عندك قيمة عنده؟ وعندما يحضر زوجها تناقشه بغضب، لكونه لم يهدِها شيئاً حين ولدت، فيتشاجران وتسوء العلاقة بينهما وبعدها طلاقاً عاطفياً ثم طلاقاً أبدياً، وقد يتدخل آخر مع أبٍ مرتاح البال فيقول له: لماذا لا يزورك ابنك كثيراً؟ وكيف تصدق أن ظروفه لا تسمح؟ فيتعكر صفو قلب الوالد، ليبدأ الجفاء مع الابن، أو لماذا لا تشتري كذا ولماذا لا تملك كذا، وكلها أسئلة نسألها ربما جهلاً أو فضولاً، وقد تبدو بريئة في حياتنا اليومية، ولكننا لا نعلم ما قد تبثه هذه الأسئلة في نفس سامعها، لندخل البيوت كالأعمى ولنخرج منها كالأبكم، فالنقد المستمر يميت لذة الشيء، لذا فإن الشجرة لو تعرضت لرياحٍ دائمة، لأصبحت عارية من أوراقها وثمارها، كذلك الشخص، إن تعرض للنقد المستمر، فسيفقد جزءاً من ثقته بذاته وقدراته، ولتحول هذا النقد إلى شرارة تقضي على الأخضر واليابس، وتفكك المجتمعات وتفرق الأهل والأصحاب. ويحضرني الحديث الذي رواه الترمذي: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وتحضرني خاطرة: أنّ أحد الأصدقاء، لم يعد يدخل في نقاشات جدلية (على غير عادته) فسألته: ما الذي تغير؟ قال: أيقنت أنّ راحة بالي أهم من إثبات وجهة نظري. عندما تسوء الألفاظ، وتتغير النوايا، وتعتقد أن الجدل لن يجدي، توقف! شخصٌ ينتظر الصباح كي يأخذ الكيماوي للسرطان، وشخصٌ ينتظر الصباح كي يغسل كليتيه، وشخص يصبح تحت قصف الطائرات والدبابات، وشخصٌ لا يجد طعاماً يأكله، عندما نعرف هذه المعاناة فسنفهم الحديث: "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"، والله تعالى يقول: "وقليل من عبادي الشكور"، أيضاً تحضرني قصة طبيب متخصص يعمل معه أطباء آخرون من النواب، وأطباء الامتياز، ودائماً يشتكون له ضعف المرتبات وصعوبة المعيشة وسوء الحال، فكان يقول لهم هذا الاستشاري: احمدوا ربكم حمداً كثيراً، وكفاية عليكم أنتم بخير وصحة وعافية، لكونكم تأكلون الطعام ولم تجوعوا مرة واحدة، ولا أحدٌ منكم اشتكى من عدم وجود طعامٍ يأكله، والرسول صلى الله عليه وسلم ـ نفسه ـ كثيراً ما كان يعاني من الجوع، ولم يجد شيئاً يأكله ومع ذلك كان يصبر، وأثناء مرورهم على مريض عجوز يعاني من سرطان المريء ولا يستطيع البلع، وحتى اللعاب إذا دخل على المريء يؤذيه ويؤلمه، لكون المريء مقفولاً لا يسمح بمرور أي شيء، وإن دخل شيءٌ من لعابه، تراكم وتجمع وسبب له عشرقة، لذلك كان هذا المريض يضع علبة مفتوحة يبصق فيها هذا اللعاب طول الليل، ولا يقدر على النوم، وإن نام قليلاً انخنق بواسطة ريقه المتراكم، فقال الدكتور للمريض: إيه تتمنى يا حاج؟ فقال له: أتمنى (أبلع ريقي)، فقط يتمني أن يبلع ريقه، فأين نحن من هذا؟ اللهم إنَّا نعوذ بك من زوالِ نعمتك، وفجاءة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك. أخيراً إذا خاننا التعبير، فلا يخوننا التفسير، ولنرتقِ بالتفكير لننعم بالحياة.