14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); إن المتتبّع للأداء الإعلامي لمؤسسات العمل الإنساني بشكل عام، والقطرية بشكل خاص، عبر ما تنشره الصحف والإذاعة والتليفزيون ومنصات الإعلام الاجتماعي المختلفة من رسائل إعلامية متنوعة سواء كانت نداءات إنسانية أو ثقافية أو اجتماعية، يلحظ بيسر وسهولة التحوّل الكبير والتطوّر الهائل في شكل ومضمون الرسالة الإعلامية بين الماضي والحاضر. ويمكن أن تُعزى هذه القفزة التي بلغتها المؤسسات الإنسانية إلى التركيز على استقطاب كفاءات بشرية متخصصة، بالإضافة إلى بيئات العمل المحفّزة والشراكات الوطيدة مع مختلف وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية، وهذا التطوّر الحتمي فرضته المستجدات الإنسانية التي طرأت على المستوى الإقليمي والعالمي، حيث تحوّل المشهد الإنساني الذي كان يتّسم في الأغلب الأعم في السنوات الماضية بكوارث طبيعية كالجفاف والفيضانات والزلازل بالإضافة إلى بعض التوترات غير الحادّة التي شهدتها بعض الدول هنا وهناك. وقد تحوّل المشهد الإنساني مؤخراً وتفاقم بشكل مأساوي، آخذاً في طابعه العام نزاعات مسلحة وحشيّة وشرسة ومستعصية، خلّفت آثاراً كارثية بسقوط مئات الآلاف من القتلى وتشريد ونزوح الملايين من البشر وإتلاف الثروات ودمار الممتلكات فضلاً عن اتساع خارطة الفقر والجوع والمرض في العالم، مما جعل المؤسسات الإنسانية تقف أمام تحدٍ نوعي على مختلف الصعد، ومنها الصعيد الإعلامي، فتحتّم على المؤسسات الإنسانية ضرورة إعادة هندسة الرسالة الإعلامية الإنسانية بما يتلاءم مع طبيعة وحجم ومضمون هذه الإفرازات الجديدة وغير المتوقّعة. ويمكننا أن نقف على بعض العلامات الفارقة في هذا التحوّل الإعلامي بداية من نضوج القناعات ورسوخها بأهمية العمل الإعلامي كرديف للعمل الإنساني، فتبنت الكثير من المؤسسات الإنسانية وجود جهاز إعلامي داخلي خاص ضمن الهيكل الإداري والتنظيمي لها يغطي الأدوار والمسؤوليات الإعلامية الرئيسية، ثم تلا هذه الخطوة البحث عن منهجية عمل إعلامي تراعي خصوصية الدور الإنساني للمؤسسات الإنسانية، وتسهم بفاعلية في تحقيق الغاية المنشودة منها كوسيط مهم بين الطرفين الرئيسيين للعمل الإنساني ( المتبرعين والمستفيدين ) بتفعيل التواصل مع جمهور المؤسسة الداخلي والخارجي وبناء وتعزيز سمعة المؤسسة، وكسب التأييد والمناصرة، وتسجيل حضور اجتماعي نشط يعزز الغايات السامية في حماية القيم الإنسانية الأصيلة والنبيلة، وينشر فضيلة الرحمة والأخوّة والتآزر وإغاثة الملهوف والوقوف والمساندة للمحتاجين، مرجعيتها في ذلك الأواصر الإنسانية المشتركة والشرائع السماوية والقوانين السارية والمعايير والمبادئ المهنية كالحيادية والاستقلالية وعدم التحيّز، كما أن من المعززات في ذلك هو التدريب وبناء القدرات الإعلامية لفرق العمل والاستثمار في ذلك باعتبار الإعلام حقلاً سريع التطوّر ويتأثر بشكل مباشر بالمستجدات . ما أريد التركيز عليه في هذا السياق هو التحوّل الإبداعي في صياغة وتصميم الرسالة الإعلامية للمؤسسات الإنسانية القطرية، فتحديد الهدف الإعلامي بدقة والفئة المستهدفة المخاطبة بالرسالة الإعلامية والأدوات والوسائل المناسبة للوصول للجمهور في التوقيت المناسب كل ذلك أصبح من مرتكزات العمل الإعلامي في المؤسسات الإنسانية، مع توظيف عنصر التشويق والشحنة العاطفية في صناعة رسالة إعلامية موجّهة وجذّابة ومبهرة، ولا عجب في ذلك فنحن نعيش في قبلة الإعلام العربي – الدوحة – التي تحتضن واحدة من أكبر الإمبراطوريات الإعلامية في العالم ، إنها شبكة الجزيرة الإعلامية، بما تمثله من مصدر إلهام لكل الإعلاميين على مستوى العالم، كما يعزى ذلك إلى بنية التشريعات القانونية ومصفوفة الإجراءات الإدارية والتنفيذية التي تتبناها دولة قطر حيث أسهمت في توفير مناخات عمل محفّزة للعمل الإنساني وتحقيق قفزات نوعية في أدائه. كما أن المنظومة الفنية المتطوّرة التي أصبحت تتمتع بها المؤسسات الإنسانية القطرية ويستند عليها الأداء المهني كدليل إرشادي للهوية المؤسسية وما يتضمنه من مزيج معياري بداية من استخدام شعار المؤسسة المرسوم والمنطوق وتوظيفه وفق محددات فنية وجمالية، وأسس اختيار مسميات المنتجات الإنسانية، وفن رسم وصناعة الرموز وتصميم القوالب وانتقاء الصور المعبّرة وبعمق عن مضمون الرسالة الإعلامية إلى جانب توظيف اللغة اللونية التي تولّد انطباعاً معيناً لدى الجمهور بشكل مباشر أو غير مباشر، فضلاً عن الحرفية في هندسة الحروف وصياغة الكلمات والعبارات التوضيحية التشويقية، بالإضافة إلى البصمة المرئية والصوتية لكل ما يعرض في الإذاعة والتلفزيون ومنصات الإعلام الاجتماعي لتجعل المتابع يقف مندهشاً مما تحويه من لمسات فنية وتعبيرية جميلة وعميقة، كل ذلك بما لا يتنافى مع دقة المعلومة ومصداقيتها ومجانبة المبالغة والتضخيم والتهويل . إن مثل هذه الرسالة الإعلامية الإنسانية وبهذا المستوى لم يعد هدفها الرئيسي هو جذب التبرعات وزيادة الإيرادات المالية فقط بقدر ما تعززه من آصرة إنسانية نستحضرها في كل تعاملاتنا خصوصاً في أوقات المحن، فأصبحت هذه الرسائل الإعلامية سواء كانت أخباراً أو إعلانات صحفية أو عروضاً مسموعة أو مرئية عبر الإذاعة أو التلفزيون أو منصات الإعلام الاجتماعي أو معارض أو فعاليات ثقافية واجتماعية أو خطب جماهرية ، مصدراً لمعرفة وتذكّر الكثير من البقاع والشعوب والقضايا لتظل حاضرة في الضمير الإنساني. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن هذه الرسائل الإعلامية قد عكست بطريقة غير مباشرة رسوخ وثقل المؤسسات الإنسانية القطرية في المنطقة والعالم ، ليقف العالم بأسره احتراماً لهذه المؤسسات وما تشكله من ثقل إلى جوار الوكالات الإنسانية الدولية لتشارك في صناعة واتخاذ القرار الإنساني العالمي باعتبارها عاملاً حاسماً في منظومة الاستجابة الإنسانية في حالات الطوارئ فضلاً عن مشاريع التمكين التنموي في مرحلة الإنعاش والتعافي والإعمار والحد من آثار الصراعات والتوترات التي تشهدها كثير من البقاع، بل تعدى أثر الرسائل الإعلامية الإنسانية الجانب العلاجي إلى ترسيخ القيم النبيلة ورعاية الشباب والمرأة والمساهمة في الحد من السلوكيات غير المرغوبة وابتكار حلول مناسبة لها، مما أهّلها لاستقطاب مشاريع تنهض بمفهوم المسؤولية الاجتماعية. والجميل الذي لمسته بشكل مباشر بحكم عملي كإعلامي في أروقة القطاع الإنساني، هو التوجّه نحو إعداد ميثاق للعمل الإعلامي الإنساني المشترك بين مختلف المؤسسات الإنسانية القطرية يؤطر لمعايير ترسّخ مبدأ الكرامة الإنسانية في مزيج الرسالة الإعلامية الإنسانية، وتجسيد حق الإنسان في الحياة، وواجب الحصول على الحماية والمساعدة، حيث أصبحت التجربة الإعلامية للمؤسسات الإنسانية القطرية محط عناية واهتمام ومحاكاة من كثير من المؤسسات الإنسانية على المستوى الإقليمي . إننا نفخر بما حققته وتحققه المؤسسات الإنسانية القطرية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ونثمّن عالياً ما تحظى به من اهتمام ورعاية الدولة ومؤسساتها المختلفة والمجتمع القطري الأصيل.