17 سبتمبر 2025
تسجيلالرياض وطهران ليستا وجهان لعملة واحدة فلكل كيان خاصيته وأهدافه في استقراء ظروف المنطقة وفقاً لمحددات تاريخية وإيديولوجية تحدد الرؤية المستقبلية لها. كما أن البلدين ربما تعبا من التضاد وسوء الفهم والريبة المتبادلة التي افتعلتها مبكراً مظاهر الثورة الإيرانية وإعلاناتها المتكررة المحملة بالأطماع التوسعية والتي غدت في المرحلة الأخيرة مشاريع علنية ممارسة تفترض المواجهة في أكثر من موقع إقليمي. وكما يقال إن حساب الحقل لا يطابق حساب البيدر دائماً فالسياسة أيضاً لها حساباتها المُعقدة التي لا تعطي غالباً النتائج المرجوة وفق رؤية المخططين لها بل تنذر أحياناً بمعطيات وخيمة. لذلك ربما عمدت طهران مؤخراً إلى محاولة من التقارب مع الرياض بإعادة تعيين سفيرها السابق في المملكة السيد حسين صدقي لتولي مهمة التواصل الجديد بعد أن شُحنت أجواء العلاقة بين البلدين بمحفزات التوتر الكثيف والمُعقد إثر الموقف الإيراني من أحداث البحرين وظروف الثورة السورية وغيرها من الأحداث. أيضاً يرتقب البلدان زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والتي باتت في حكم المؤكدة حسب الإعلان الإيراني الأخير. وحقيقة فالظروف الراهنة في المنطقة تحتم مثل هذا التلاقي الذي يجب أن تستثمره البلدان للتفاهم المباشر حول الكثير من المواقف والرؤى وللحد من مسببات التفاقم والسيطرة عليها بما يخدم المنطقة باعتبار أن هناك حزما من التلاقي والأهداف المشتركة فأكثر ما يحتاجه البلدان هو تنمية الفهم المتبادل وبلغة سياسية ذات شفافية مطلقة تضمن الالتزام بمحددات تنمية العلاقة والابتعاد عن مؤثرات التوتر والتي تحددها السعودية وفقاً لسفيرها في الأمم المتحدة السيد عبدالله المعلمي الذي رحب بدور إيجابي لإيران في المنطقة باعتبارها دولة إسلامية كبرى وأن تمتنع من التدخل السلبي في الدول العربية. ومع أن الجميع لا يعرف المدى الذي تتعاطى من خلاله إيران لتمرير أجندتها المرتبطة بتلك الايدولوجيا الفكرية التوسعية والتي تتبناها سراً وعلانية وتوظف لها مجمل اهتماماتها سوى أن نجاحها التاريخي في العراق لا يضمن السلامة لها دائماً فتعتبر الظروف العراقية وتنامي الإرهاب هناك بالشكل الخارج عن السيطرة كما في حالة داعش وهو ما استلزم التوقف وإعادة الحسابات باعتبار الإرهاب في شكله وحجمه الظاهرين حالة لا تفرق بين عدو أو صديق كما أن إيران مهما فتحت من قنوات التواصل مع الغرب عبر الضغط ببرنامجها النووي وتقديم مزايا مستقبلية للغربيين تدرك حجم التأثير السعودي في تحديد عمق ذلك التواصل لمحددات تاريخية وبترولية أيضاً. ومن جانب آخر فموسم الحج على الأبواب وهو ما يحتاج إلى التنسيق السعودي الإيراني المشترك لضمان سلامة الموسم وتجنيبه الشعارات السياسية كما حصل في أعوام سابقة. ويرحب العقلاء في السعودية كما يتوقع ذلك في إيران بهذا التقارب مؤملين في أن يكون بادرة نحو فك الاختناق الذي وصل بين الشعبين إلى حالات خطيرة كما يبدو ظاهراً في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وتغذيه إياد خفية تستثمر هذا التوتر للإضرار بعموم المنطقة وخلق مناخ متخم بالعداء المكثف. ولكن يبدو أن للساسة حنكتهم لاحتواء الموقف والعدول عن المزيد من التنافر والعمل لبناء مرحلة تختفي فيها الريبة وتعيد تصحيح مسار بعض الملفات بما يضمن سلامة الجميع ومصالحهم.