16 سبتمبر 2025
تسجيلتفجيرات المساجد في طرابلس شمال لبنان أعاد إلى ذاكرة المدينة أحداث الثمانينيات من الحرب الأهلية نظراً لمشاهد الدم المسفوك على أعتاب المساجد ومفارق الأزقة المؤدية إليها. قد تكون المصادفة وحدها هي من لعبت دور التنسيق والتتابع بين تفجير الرويس في الضاحية الجنوبية وتفجيري مسجدي التقوى والسلام في طرابلس بعد أسبوع. التحقيقات الأمنية ما زالت جارية، وما يسرب من داخل أقبية التحقيق لا يمكن البناء عليه، وإن كانت المعلومات الأولية تقول: إن من فجر في طرابلس جهة مغايرة لتلك التي ضربت في الرويس. وبناء عليه فليس بالضرورة أن يكون هدف التفجيرات إشعال فتنة سنية شيعية بقدر ما هي تجليات لتداعيات التدخل اللبناني غير الرسمي في الحرب السورية. ومع سلسلة التفجيرات المتنقلة، من الرويس في الضاحية الجنوبية إلى مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، أضحى السؤال الأكثر طرحاً عند المواطن اللبناني: هل دخل البلد فعليا في عين العاصفة التي حذر منها الجميع أم أنه ما زال بعيدا ولو قليلاً عن دائرة النار؟ قريبا من الإجابة على السؤال المطروح، يشبه أحد الدبلوماسيين الغربيين الوضع بالقول: لبنان اليوم أشبه بالقنبلة الموقوتة، فإما يتمكن اللبنانيون من تفكيكها أو ستنفجر القنبلة في وجه الجميع. إذا كان الأمر في لبنان وبأحسن أحواله قنبلة موقوتة، فكيف سيكون الوضع إذا ما تعرض النظام السوري لضربات غربية وفقا لما تشير التقديرات؟ لبنان في واقع الأمر خاضع لتطورات الأحداث في سوريا، بل يذهب البعض في تصوراتهم على اعتبار لبنان رهينة لتوجهات وأمزجة الحكم في سوريا منذ استقلال البلدين عن الاستعمار الفرنسي في أربعينيات القرن الماضي. وإذا صح هذا التصور، فإن ارتهان لبنان لدمشق قد ازداد بشكل ملحوظ منذ دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 وحتى كتابة هذه السطور. وما يحكى عن تراجع النفوذ السوري لصالح النفوذين الإيراني والسعودي، فإنه في كل الأحوال، لم يغير كثيراً من قدرة دمشق في التأثير على المسارين السياسي والأمني في لبنان. يقرأ البعض في تصريحات النظام السوري وحلفائه في أن أي ضربة غربية لدمشق ستشعل الشرق الأوسط هو في جوهره تهديدا مبطنا لدول المنطقة وفي القلب منها لبنان الذي يلعب دور الحديقة الخلفية للنظام السوري عبر حلفائه النافذين في الحكم والسياسة والأمن، في حين يرى آخرون أن الأمر لا يعدو كونه ترجمة لما يمكن أن تتطور باتجاهه الأحداث بشكل دراماتيكي، بحيث تتوسع كرة اللهب لتصل إلى دول بعيدة جداً عن لبنان وسوريا. ومع تعطل جلسات الحوار وتجميد قنوات التواصل بين حزب الله العنصر الأقوى عسكريا وسياسيا في لبنان وبين قوى ١٤ آزار تزداد مؤشرات التفجير الداخلي رغم حديث الجميع من أن طرفا دوليا أو إقليميا أو داخليا لا يريد تفجير الوضع في لبنان. والأرجح أن ضربة توجه لسوريا لن تجعل حزب الله يقف في موقع المتفرج خصوصا إذا كانت الضربة تهدف لإسقاط النظام السوري. والحق أن مصير الشعب اللبناني لم يعد بيد أبنائه، وأن مستقبله السياسي والأمني بات في يد قوى إقليمية ودولية. فقد كان للأزمة السورية التي امتدت لسنتين ونصف السنة دور فاعل في رسم المشهد اللبناني الداخلي الذي ازداد وضعه تعقيدا وأصبح من المستحيل تحقيق تقارب بين قواه السياسية التي باتت تتخذ من مجريات الأحداث في سوريا ركائز في آليات التعاطي مع الوضع الداخلي. وما التمديد لمجلس النواب ومن ثم لقائد الجيش وعدم تشكيل حكومة إلا مؤشرات على ذلك. كما أن الأجهزة الأمنية لم تعد قادرة على ملاحقة السيارات المشبوهة التي يكشف عنها هنا وهناك، كما أن القوى السياسية أثبتت أنها ليست على مستوى من النضوج لتقول كفى تدهوراً للأوضاع في لبنان. وبمجرد الحديث عن اقتراب ضربة عسكرية لسوريا، دخل لبنان عبر معبر المصنع الحدودي أكثر من 13 ألف لاجئ سوري في أقل من أربع وعشرين ساعة، ولا يعلم هؤلاء أن لبنان لن يكون أكثر أمنا في حال وجهت ضربة عسكرية غربية لدمشق.