19 سبتمبر 2025
تسجيلفجأة ودون أي مقدمات جدية أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب ومنطقة الشرق الأوسط أنها بصدد توجيه ضربة عسكرية "محدودة" إلى سوريا ليس لإسقاط النظام بل لتكون رسالة يمكن في إثرها البحث عن حل للحرب الدائرة هناك منذ أكثر من سنتين. ولا شك أن تركيا تبدو في مقدمة الأطراف الإقليمية التي تشجع على مثل هذه الضربة لأسباب متعددة منها أنها كانت الدولة الأكثر انحيازا إلى جانب المعارضة السياسية والمسلحة والأكثر رغبة في إسقاط النظام السوري. وبعد إسقاط الطائرة العسكرية التركية بدفاعات القوات السورية فوق البحر المتوسط قبل حوالي السنة أعلنت تركيا بصورة غير رسمية أن سوريا باتت "عدوا" غير رسمي. وساهمت الحدود الطويلة بين تركيا وسوريا والبالغة حوالي 900 كلم في تسهيل مهمة تركيا لمد المعارضة بكل أنواع الدعم وتشديد الضغوط على النظام السوري. غير أن تركيا ما كان بمفردها أن تكون قادرة على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بسبب تردد الغرب في التورط في مغامرة عسكرية هناك وخشية تركيا من أن تخرج الخاسر الأكبر من أي مغامرة سورية. لذلك عندما قرع الأمريكيون الآن طبول الحرب على سوريا كانت تركيا ولا سيما رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان ووزير خارجيتها أحمد داود أوغلو في رأس المهللين لمثل هذا الهجوم عله ينهي معاناة تركيا مرة واحدة وإلى الأبد. غير أن التهليل التركي والاستعجال اللافت لتنفيذ الضربة أوقع حكومة حزب العدالة والتنمية في أخطاء سياسية تبدو "قاتلة" وفي رأسها أنها على استعداد للمشاركة في أي تحالف دولي حتى لو لم يكن في إطار مجلس الأمن الدولي. وهذا يخالف الدستور التركي الذي لا يجيز إرسال قوات عسكرية إلى الخارج إلا بموجب قرار من الشرعية الدولية أو وفق قرار من منظمة تنتمي إليها تركيا مثل حلف الناتو، أو وفق خطوة منفردة يقررها البرلمان التركي في حال تعرضت تركيا لعدوان أو لتهديدات. وحتى الآن ليس من قرار في مجلس الأمن وليس من قرار أطلسي كما لا يوجد أي عدوان سوري على تركيا. كانت تركيا عارضت بداية تدخل الأطلسي في ليبيا خارج الشرعية الدولية وعندما صدر قرار في مجلس الأمن حول ليبيا اعتبرته أنقرة مبررا للمشاركة في العمليات العسكرية على الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وفي العام 1974 كان التدخل التركي في قبرص وفقا لمعاهدة الضمان التي تتيح لتركيا أو اليونان أن تتدخل في حال حصل تغيير في الجزيرة المقسمة لسبب أو لآخر. لذلك فإن موافقة تركيا اليوم على لسان داود أوغلو شخصيا على المشاركة في التحالف الدولي ضد سوريا خارج الأمم المتحدة يعد سابقة في تاريخ تركيا الحديثة ويخرج الموقف التركي من أي ضوابط قانونية أو شرعية دولية في أي تطور يمكن أن يحصل في المستقبل ويصبح وضع تركيا اليوم مثل وضع الولايات المتحدة تجاه العراق عام 2003 عندما قررت غزوه من دون قرار أممي. ومثل هذه الصورة لتركيا لا تفيدها بشيء بل تسيء إليها وتحوّلها إلى دولة لا تضبط حركتها أية كوابح قانونية دولية. والمشكلة ستكون مضاعفة لتركيا من هذا الموقف والمعيار في التعاطي مع الدول الأخرى في حالتين.الأولى ألا تحصل الضربة الأمريكية لسوريا فتكون تركيا خسرت مرتين: استعجال الخروج على الشرعية الدولية والغنيمة العسكرية في إسقاط النظام. والثانية إذا حصلت الضربة ولم يسقط النظام فتخسر تركيا مجددا مرتين. فقط الإطاحة بالنظام في سوريا وعودة سوريا موحدة تحت سيطرة المعارضة هي التي تعني مكسبا لتركيا. أما بقاء النظام أو رحيله وظهور سوريا مقسمة ومفتتة أو داخلة في حرب أهلية مفتوحة فمفاده خسارة أكيدة لتركيا.