14 سبتمبر 2025

تسجيل

المثقف العربي في زمن الثورات والثورات المضادة

31 أغسطس 2013

ربيع عربي وتغيرات جذرية وحراك سياسي واجتماعي وثورات وثورات مضادة في دول عربية عديدة تدعو المواطن العربي إلى طرح السؤال التالي: ما هو موقع المثقف العربي من كل هذه الأحداث؟ أين هو؟ ما هو دوره في المجتمع؟ ما هو موقفه مما يحدث من حوله؟ ما هي إسهاماته في كل ما يحدث؟ هل كان من المفروض أن يكون هو المحرك الأساسي لهذه التحولات والتغييرات؟ أي أن يكون هو الفاعل وليس المتفرج؟ أين هو المثقف العضوي؟ أسئلة وتساؤلات عديدة حول علاقة المثقف بمحيطه ومجتمعه وبالسلطة وبصانع القرار. خلال السنوات الماضية لاحظنا من المثقفين من انحاز وراء الظلم والاستبداد ومن أصبح ينظر للأنظمة الفاسدة ومن اختفى تماما كما لاحظنا قلة قليلة ناضلت بالقلم من أجل مساندة الفقراء والمساكين والمهمشين. إشكالية أزمة المثقف تبقى من الإشكاليات المهمة والرئيسية المطروحة على الساحة الفكرية والثقافية والسياسية في الوطن العربي. هل من مكانة للمثقف في مجتمع يفتقد لمستلزمات التفكير والتعبير عن الرأي والحوار والمناقشة والحريات الفردية وحرية الصحافة وما إلى ذلك من مستلزمات وضرورات وشروط الإنتاج الفكري الناضج الذي يستطيع أن ينظر ويؤسّس للتطورات والتحولات المهمة والمصيرية في المجتمع. التجارب التاريخية في الوطن العربي تشير إلى مرض الاغتراب والتهميش والإقصاء الذي عانى وما زال يعاني منه المثقف العربي عبر الأجيال والعصور، ففقدان الحرية والديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان كلها عوامل أدّت إلى اغتراب المثقف العربي وتهميشه سواء داخل وطنه حيث أصبح من الغرباء فيه لا يتعرف عليه ولا يتفاعل معه كما ينبغي، لأنه إذا فعل ذلك سيكون مصيره مجهولا، أو أننا نجده يلجأ إلى الهجرة طلبا للحرية ولمتنفس يجد فيه مجالا للتفكير والإبداع، لكن تبقى الغربة والعيش خارج المحيط الطبيعي للمثقف بمثابة الموت البطيء. والمثقف مهما كانت الصعاب والمشاق والمشاكل والعراقيل يبقى دائما مسؤولا إزاء مجتمعه لتحقيق الأهداف النبيلة التي يناضل من أجلها وهي العدالة والمساواة والحرية والقيم الإنسانية النبيلة ومن أهمها توفير الظروف المناسبة للتعلم والبحث العلمي والإبداع. إشكال آخر مهم جدا ضمن سياق ظاهرة اغتراب المثقف يتمثل في الرقابة الذاتية وممارسة الانسلاخ الإرادي والمباشر من المجتمع والعيش في ضفافه وقشوره، وهذا موت بطيء آخر يعاني منه المثقف العربي وهو نوع من الانتحار حيث لا يستطيع المثقف أن يجرؤ على التعبير عما بداخله ولا يستطيع أن يضع أفكاره في خدمة المجتمع وفي خدمة المهمشين والمحرومين. فالإشكال هنا يتمثل في التقرب من السلطة وهذا يعني بعبارة أخرى الانسلاخ عن الجماهير، أو التقرب من الواقع ومن الجماهير وهذا يعني غضب السلطة على المثقف وإسكاته أو تهميشه بطرق مختلفة، البعض منها معلن والبعض الآخر سري لا يعلم به إلا الله. وفي كل هذا نجد أن المجتمع في نهاية المطاف هو الخاسر الكبير لأن المجتمع الذي لا يملك نخبة من المثقفين العضويين ونخبة من المفكرين تنظر وتنتقد وتقف عند سلبياته وهمومه ومشاكله وتناقضاته وإفرازاته المختلفة لا يستطيع أن يكون مجتمع يتوافر على شروط النجاح والإبداع والتحاور والنقاش البناء والجاد بين مختلف فعالياته وشرائحه. وآليات الاتصال والتواصل داخل المجتمع مهمة جدا، فكلما كانت مرنة وسلسة ويسيرة كلما نجم عنها التفاهم والوئام والوصول إلى الأفكار النيّرة. وعلى العكس من ذلك كلما تعقدت وكلما أصبحت عسيرة ومفتعلة ومتملقة ومنافقة كلما زادت مشاكل المجتمع وتفاقمت وكلما زاد سوء الفهم وانعدم النقاش والحوار وتفاقمت المشاكل. هذا ما يقودنا للكلام عن الثقافة التي أفرزتها القوى المختلفة في المجتمع، فهذه الثقافة هي ثقافة التبرير والتملق والتخدير والتزييف، وكأن الهدف في نهاية المطاف هو تجهيل الرأي العام وتنويمه بدلا من توعيته والرقي به إلى مستوى الفعل والمشاركة في صناعة القرار وفي تقرير مصيره ومكانته بين الشعوب والأمم. ما هو دور المثقف في المجتمع؟ وما هي علاقته بالسلطة؟ أسئلة تفرض نفسها في الوطن العربي خاصة في الأزمات المتعاقبة والعويصة التي تعيشها الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. في البداية نتساءل عن مكانة المثقف في المجتمع وعن وضعيته وعن الدور الموكل إليه. ولماذا نتكلم دائما عن أزمة المثقف؟ لماذا مثلا لا نتكلم عن المثقف العضوي في المجتمع، المثقف الحقيقي الذي ينتقد ويقف عند هموم وشجون المجتمع، المثقف الذي يعمل على تغيير الواقع وليس تكريسه، المثقف الذي يساهم في صناعة الفكر والرأي العام، المثقف الذي يحضّر مجتمعه شعبا وقيادة لمواكبة التطور الإنساني والحضاري والتفاعل الإيجابي مع ما يحدث في العالم. وهنا يجب الإشارة إلى ضرورة النظر إلى المثقف كجزء فرعي من نظام كلي وهو المجتمع، ونتساءل هنا هل المثقف يساهم في إنتاج النسيج الفكري والثقافي والاجتماعي للمجتمع الذي يعيش فيه؟ أم أنه جزء من المجتمع. فالمثقف عادة ما يكون مرتبطا بواقعه وبمجتمعه يتفاعل معه، يؤثر ويتأثر به. لكن الإشكالية التي تُطرح هنا تتمثل في ماهية وطبيعة العلاقات التي يقيمها المثقف مع الجهات المختلفة الفاعلة في المجتمع. وهنا نقف عند علاقة المثقف بالسلطة، هل هي علاقة خضوع وخنوع واستسلام وتملق؟ أم أنها علاقة مبنية على المهنية والاحترافية والصراحة والشفافية والديمقراطية والاحترام والنقد والنقد الذاتي من أجل مصلحة البلاد والعباد والمجتمع ومكوناته المختلفة. ما هي إذن، علاقة المثقف العربي ببيئته؟ أي علاقة المثقف بالسلطة وعلاقة المثقف بالجمهور وعلاقة المثقف بالقضايا اليومية للمجتمع وعلاقة المثقف بالقضايا الطارئة وعلاقة المثقف بالمشاكل اليومية للمواطن، وعلاقة المثقف بالمشاكل والأزمات التي يمر بها المجتمع. ففيما يتعلق بعلاقة المثقف بالسلطة بقيت الأمور على حالها رغم المطالبة بتجسير الفجوة الموجودة بين الطرفين، والمحاولات القليلة التي سُجلت كانت مع الأسف الشديد من قبل المثقفين إزاء السلطة ومن جهة واحدة الأمر الذي يدعو إلى التشاؤم والتحسر على واقع سلبي للغاية في عصر العولمة والثورة المعلوماتية. فالمثقف في هذه الظروف يبقى أسير نفسه يعمل ليل نهار من أجل إرضاء السلطة والتنظير لها وتبرير كافة أعمالها سواء كانت صائبة أم خاطئة. هذه النوعية من المثقفين تسمى بأشباه المثقفين pseudo-intellectuals وإذا انتشرت في المجتمع فإنها تنشر ثقافة الاستسلام والرضوخ وثقافة التملق والنفاق والقضاء على بذور الديمقراطية من أساسها لأن الديمقراطية تقوم على المعارضة والاختلاف في الرأي ولا معارضة ولا رأي من دون فكر ولا استقلالية في الفكر من دون حرية وبدون مبادئ. فلا مستقبل لأمة من دون مفكرين ومثقفين ومنظرين ينتقدون الباطل والفساد ويدافعون عن الحق ويعملون ليل نهار من أجل إنصاف المحرومين والمهمشين بعيدا عن شهوات ونزوات السلطة.