20 سبتمبر 2025
تسجيلما زلت أتذكر الأيام الجميلة التي عشتها في طفولتي وقت الأعياد، والتي ما زالت عالقة في الذاكرة بحلوها وأوقاتها السعيدة التي لا تقوم إلا على إنشاد الفرح والسعادة والتمتع بالعيد بمعناه الحقيقي منذ ليلة الاحتفال به وحتى نصبح في ذلك النهار الذي لا ينسى. في ليلة العيد كنا نجهر الملابس والأحذية الجديدة من ثوب وغترة وعقال وقحفية وسروال وفانلة ونعال وأحياناً البوك (المحفظة) كل حسب استطاعته.. وتكون كل هذه المستلزمات موضوعة بجانب رؤوسنا عند الفراش.. وما أن ينطلق أذان الفجر حتى نذهب للصلاة في المسجد برفقة والدنا – أطال الله في عمره – وبعد أن نخرج من المسجد نهلل ونكبر ونرفع تكبيرات العيد حتى يحين وقت الذهاب لمصلى العيد فنذهب في هدوء ووقار لتأدية صلاة العيد مع عامة أهل الفريج (الحي) الذي نقطن فيه.. وما زلت أذكر تلك الأحياء التي عشنا فيها بأيامها الجميلة التي لا تنسى في أيام الصبا.. منها فريج أم غويلينة وفريج ابن عمران وبعدها انتقلنا إلى منطقة مدينة خليفة ومن ثم منطقة المرخية حتى الارتحال إلى منطقة أزغوى بقرب منطقة الغرافة التي ما زلنا نعيش فيها منذ سنة 2006 م وحتى اليوم. الأيام الحلوة لا تنسى وبخاصة في فترة الصغر.. والعيدية التي كنا نحصل عليها كانت قليلة ولكنها مجزية وكثيرة مقارنة بالحال في أيامنا هذه.. فإن تحصل على أربع آنات (ربع روبية) أو نص روبية أو روبية (ريال) أو أكثر من ذلك فهي بمثابة العيدية المجزية.. وقبلها كانت (الآنة) و(الآنتين).. بينما تطور مبلغ العيدية اليوم ليصل إلى الخمسين والمائة والخمسمائة ريال فما فوق.. ورغم ذلك كانت الحياة المعيشية رخيصة والأموال قليلة لأنها لم تكن تتوافر لدى كل شخص في ذلك الزمان.. ورغم الشح وقلة ما في اليد عرف أهل قطر بالقناعة لأنهم ولدوا على الفطرة فلم يبالغوا أو يجزعوا بل عاشوا على البساطة وحب الخير للجميع سواء كان ذلك في السعة أو في الضراء.. وهكذا كانوا وما زالوا.. لم يتغيروا بسبب طيب معدنهم الأصيل الذي لا يصدأ أبداً. والأجمل من هذا كله أن صلة الأرحام كانت هي السمة السائدة في أيام العيد تلك.. فالابن يقبل في يوم العيد رأس والده ووالدته وكذلك أقاربه من أعمام وأخوال وأقارب ويصافح جيرانه بقلوب صافية ونقية.. مليئة بالمشاعر الفياضة بكل حب ووئام.. ويستمر اليوم الأول للعيد من خلال كثرة الزيارات والتواصل بين الناس دون انقطاع منذ الصباح وحتى المساء ويستمر لعدة أيام. غداء العيد وتكون الجمعة واللمة الكبرى على مائدة الغداء الذي يقدم مبكرا كعادة أهل الشمال (في شمال قطر) بين الساعة الثامنة والتاسعة صباحا.. كل حسب استعداداته وإمكانياته المتواضعة.. حيث تتنوع الأكلات والأطباق من (عيش محمر بالسمك) أو (المكبوس) أو (الشلاني) مع تقديم (الصالونة أو المرق) أو (الربيان الميبس) وغير ذلك.. حيث يجتمع الأهل والجيران في كل فريح (حي) لهذه اللحظات التاريخية التي لا تتكرر إلا مرتين في العام عبر عيد الفطر أو عيد الأضحى. إحياء عادات الأجداد ولكن هذه العادات الجميلة بدأت تختفي من بعض البيوت القطرية اليوم مع كل أسف.. بالرغم أنه ما زالت هناك الأغلبية ممن يحافظ على طقوس الأعياد القديمة.. مثل (سنة الأضحية) بحمد من الله وفضله.. بجانب تقديم حلويات العيد الصباحية من أكلات شعبية معروفة لدى الجميع.. وصدق المثل الشعبي القائل: "الأيام الحلوة ما تدوم". كلمة أخيرة: أيام العيد في السابق لها طعم خاص تختلف نكهتها عن أيامنا هذه.. ولعل صفاء القلوب هو الصفة الأكثر استشعاراً وإحساساً في أعياد الأمس.. رحم الله كل أب وأم وأخ وأخت وجميع من عاش تلك الأيام التي لن تتكرر.. وغفر الله لكافة أمواتنا وأموات المسلمين وعفا عنهم وأدخلهم الجنة.. إنه سميع مجيب. [email protected]