17 سبتمبر 2025

تسجيل

الدولة اللبنانية تحترف سياسة دفن الرأس في الرمال

31 يوليو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يعيش اللبنانيون هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على العدوان الإسرائيلي يوليو 2006، الذي كان من نتائجه نزوح عشرات آلاف اللبنانيين إلى سوريا. لم تطل المدة حينها أسابيع قليلة حزم بعدها النازحون أمتعتهم وعادوا إلى قراهم وبلداتهم في الجنوب. يُحسب للشعب السوري كرمه وشهامته في الترحيب بالنازحين، فتقاسم معهم لقمة الخبز ومخدع النوم، في حين أن غاية النظام السوري من هذا الكرم كان مساندة حليفه حزب الله. دارت الأيام وتغيرت الظروف، وأدت الثورة التي اندلعت في سوريا عام 2011 إلى نزوح مئات آلاف السوريين إلى لبنان، وتشير التقارير إلى أن العدد وصل إلى قرابة مليوني نازح إذا ما أضيف اللاجئون الذين عبروا الحدود بطرق غير شرعية ولم يتم تسجيلهم في كشوفات رسمية.الدولة اللبنانية منذ اللحظة الأولى وضعت رأسها بالتراب، وتجاهلت تدفق النازحين إلى أراضيها، ومن كان يهمس بضرورة الحاجة لبناء مخيمات لاستيعابهم اللاجئين يتم اتهامه وانتقاده وإسكاته. ففي بلد مركّب طائفيًا كلبنان، من غير المسموح الإقرار بأي تغيير ديمجرافي للساكنين على أرضه، فعبر النازحون السوريون من الحدود الشرقية والشمالية دون أي تدقيق أو تصنيف، وحطّوا رحالهم أينما وجدوا مكانًا يمكن لهم أن يبيتوا فيه مؤقتًا، لكن هذا المؤقت مرّ عليه خمس سنوات، ولا يلوح في الأفق بوادر لقرب انتهائه.شريحة كبيرة من اللاجئين السوريين توزّعوا في المدن والمناطق المكتظة بساكنيها اللبنانيين، فانصهروا بينهم ولم يبرز لهم وجود واضح، اللهم إلا ارتفاع في الكثافة السكانية، وضغط مضاعف على البنى التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي. هذا الاختفاء ساعد الدولة اللبنانية في مهمتها بدفن رأسها بالتراب، وإعفائها من مهمة معالجة الأزمة، والقيام بدورها في استقبال النازحين وإحصائهم وجمعهم وإسكانهم في مخيمات تتوفر فيها مقومات العيش الكريم. اليوم، بعد مرور خمس سنوات على هذه الأزمة، استيقظت الدولة من سباتها، وحاولت إخراج رأسها من الرمال فلم تستطع، ولم يعد بإمكانها فعل شيء لمعالجة مشكلة تواصلت على مدى خمس سنوات، ولم يجد رئيس الحكومة تمام سلام في كلمته أمام القمة العربية بنواكشوط أكثر من المطالبة بتشكيل هيئة عربية تعمل على إنشاء مناطق إقامة للنازحين داخل المناطق السورية، وهو يدرك أن طلبًا كهذا مستحيل واقعيًا لعدم وجود مناطق آمنة على الأراضي السورية، وكذلك لعدم وجود رغبة عربية لتمويل مشروع مشابه.التعاطف مع أزمة اللاجئين السوريين لا ينفي حقيقة أن وجودهم أدى لمشاكل كثيرة وكبيرة، وهذا أمر ليس سرًا ولا عيبًا. فحين يعيش مليوني نسمة إضافية في بلد يعيش على أرضه قرابة 4 ملايين نسمة، فهذا يعني إضافة 50% من السكان دفعة واحدة، وهو يعني تقنيًا ضرورة تطوير البنى التحتية وسوق العمل بالنسبة ذاتها، وهو ما لم يحصل. بل على العكس، شهد لبنان تراجعًا كبيرًا في مستوى بناه التحتية المهترئة أصلًا، كما شهد ركودًا اقتصاديًا انعكس في ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، عدا عن الكثافة السكانية وما قد تخلّفه من مشاكل وأمراض.لكن مشكلة إضافية أبرزتها أزمة النازحين السوريين وهي انكشاف وجه قبيح لبعض اللبنانيين، تمثّل بعنصرية وفوقية مقيتة، انعكست في إساءة للنازحين، وامتهان كرامتهم، والاعتداء عليهم وتقييد حركتهم. الإساءة هذه لم يقتصر ارتكابها على مواطنين تخلّت عنهم إنسانيتهم، بل وصلت إلى أفراد بعض الأجهزة الرسمية. السلطة اللبنانية كما دفنت رأسها إزاء أزمة النازحين، واصلت دفن رأسها إزاء ما يتعرضون له من إساءات واعتداءات. وحين ينتشر شيء في وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها تسارع للتحرك شكليًا لحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي، حرصًا على استمرار وصول المساعدات للاجئين، لكنها سرعان ما تعيد دفن رأسها في الرمال من جديد.