17 سبتمبر 2025
تسجيلأعجبني مقال للدكتور فادي خلف أمين عام اتحاد البورصات العربية، يعرض فيه لأسباب شح السيولة في أسواق المال العربية، وما إذا كان ذلك بسبب عوامل موسمية كالإجازات، أو هي خارجية أو جيوسياسية، أو ربما لغياب صناعة السوق أو ثقافة المستثمر. وتساءل الدكتور: "لماذا لم تفعل هذه العوامل فعلها خلال الفترة 2102-2014 عندما كانت التداولات نشطة والسيولة عالية؟" ثم يناقش في مقالته بعضًا من الأسباب المذكورة ويطالب في نهاية المقال بضرورة اعتماد أدوات التحوط، وسياسة البيع على المكشوف في الأسواق العربية. ولأهمية المقال في معالجة أزمة السيولة فإنني أقدم خلاصة ما ورد فيه من أفكار وآراء. يقول د. فادي:"أولًا: نعم، نعاني أكثر من غيرنا من آثار ما يُسمّى بسوق الاتجاه الواحد، لكن السبب لا يعود إلى ثقافة المستثمر، وإنّما لعوامل أخرى"، ويتساءل: "ماذا عن المستثمر الأجنبي الذي فتحنا له أبوابنا منذ حين، ولا يزال مترددًا في ضخ سيولته في أسواقنا. هل سنتّهِمه أيضا بقلة الدراية وضعف الثقافة؟"ثانيًا: "لصناعة السوق دور جوهري في تحفيز السيولة، ولكن لا تكبّلوا صانع السوق وترموه في الأمواج فيغرق ويُغرِقَ معه المستثمر. زوِّدوه بما يلزم من أدوات واحكموا بعدها على النتائج".ثالثًا: "تنقسم الحركة على أسواق الأسهم تقنيًّا وبشكلٍ عام إلى ثلاثة مراحل، مرحلة الارتفاع، مرحلة التصحيح، ومرحلة التقلبات الأُفقية. ويتّفق التقنيّون بمعظمهم على أن السوق يُمضي ثلث دورته في فترة الارتفاع فيما يُمضي الثلثَيْن المتبقيَيْن في مرحلة التصحيح والتقلّبات الأفقية. وفي مرحلة الارتفاع يُقبل المتعاملون بكافة فئاتهم على ركوب موجة الارتفاع حيث حظوظ الربح تكون مرتفعة. وفي هذه المرحلة تفيض السيولة في الأسواق، وفي نهاية هذه المرحلة تظهر علامات التشبّع. فإذا توفّرت أدوات التحوّط، بقي البعض منهم في السوق على أمل استمرار الارتفاع، ولكن مع التحوط، فيما ينسحب الآخرون محققين أرباحهم. أما في حال عدم توفر أدوات التحوّط، فينسحب العارفون دفعة واحدة محققين أرباحهم، متخوفين من مواجهة حركة التصحيح المتوقعة". وهذا هو الحال في كل البورصات كما في بورصة قطر. "ومن هنا نرى سرعة انقلاب هذه الأسواق من مرحلة الارتفاع إلى مرحلة التصحيح"."وفي مرحلتَيْ التصحيح والمراوحة الأفقية، يمر هبوط الأسواق بمراحل عدّة قبل ملامسته القاع حيث يمرّ بفتراتٍ من التردّد من قبل المتعاملين، وهنا تكمن أسباب جفاف السيولة في بعض الأسواق دون سواها. فمن المتعاملين من يعتقد بأن القاع أصبح وشيكًا فيشتري الأسهم ويتحوّط بواسطة المشتقات إذا توفّرت، ولكنه قد يحجم في حال عدم توفرها، مما يقلّص نسب السيولة. ومنهم من يشترى بواسطة الهامش في مرحلة الارتفاع متجاوزًا إمكاناته، فيجد نفسه مضطرًّا للبيع القَسْري لتغطية الهامش، مشكلًا المزيد من الضغط على الأسواق. ومنهم من يشترى أسهمه بأمواله الخاصة ولكن بأعلى الأسعار فيجد نفسه أسير خسائره مُكبَّل اليدين في غياب أدوات التحوّط، فيحجم عن التداول ويتحول إلى الاستثمار طويل الأمد. ومنهم من يتمتّع بالسيولة لكنه يحجم عن ولوج السوق لغياب أدوات التحوّط، ويفضّل عدم المخاطرة والانتظار ليتأكد من ملامسة القاع قبل أيّ استثمار جديد. وفي كافة هذه الحالات -باستثناء البيع القسري- نرى أنّ غياب أدوات التحوّط يساهم بشكل كبير بتجفيف السيولة من الأسواق في فترة الانخفاض. فهل يكون الحل هو فقط بإدراج أدوات التحوّط من مشتقات وصناديق مبنية على المؤشرات؟"رابعًا: يتساءل الدكتور فادي بعد ذلك عن السبب في تأخير وضع المشتقات والصناديق المبنية على المؤشرات في تصرّف المستثمرين في الأسواق العربية. ويضيف: "لقد قامت جهاتٌ عدّة بإدراج أدوات مالية تُعتَبَر في بعضٍ منها أدوات تساعد على التحوّط من المخاطر، إلا أنها لم يُكتَب لها النجاح، إذ بقيت خجولة وذات سيولة منخفضة لدرجةٍ جعلت منها عبئًا على مُصدريها، وذلك بسبب غياب إمكانية البيع على المكشوف، وإمكانية تأجير الأسهم، وكلتاهما شرط لا بد منه لإنجاح أيّ مشتقّات وأيّ صناديق مبنية على المؤشرات".خامسًا: يضيف د. فادي "يعزو البعض التأخير باعتماد البيع على المكشوف إلى سببَين رئيسيَّين: أسباب شرعية: وهنالك عمل دؤوب من قبل كافة المسؤولين لإيجاد الحلول الملائمة والمشروعة لذلك"، وأضيف من جانبي أن البيع على المكشوف يجد له سندًا من فقه بيع السلم في الإسلام. ويتوقّع د. فادي ظهور نتائج ملموسة لذلك في فترة لا تتعدى السنتَين. "وأسباب رقابية: حيث تتخوّف الجهات الرقابية بمعظمها من أنّ اعتماد البيع على المكشوف قد يزيد من حدة الانخفاض في الأسواق خلال الأزمات المالية. وفي هذا الرأي بعض من الصحة لو لم نأخذ في الحسبان إيجابيات البيع على المكشوف.. وتُساهِم أدوات التحوّط في حال وُجِدت في التخفيف من آثار البيع الإلزامي للمشتريات على الهامش. وقد يطول الجدل حول إيجابيات وسلبيات البيع على المكشوف، ولكن المقارنات الدولية تُظهر بوضوح بأننا لم نستطع حماية أسواقنا عندما منعنا البيع على المكشوف عنها، وبحرمانها من آليات التحوّط، لا بل على العكس فإن الأسواق العالمية والأمريكية قد أظهرت تماسكًا فاق ما رأيناه في أسواقنا، رغم الأزمات الحادة التي ضربتها".