13 سبتمبر 2025

تسجيل

تنظيم القاعدة ولادة جديدة ومراجعات

31 مايو 2014

إلى أين تتجه الأمور بين الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتنظيم النصرة لأهل الشام الذراع الرسمية لتنظيم القاعدة في سوريا؟ سؤال يحتاج إلى إجابة طالما أن المؤشرات توحي بمزيد من التصعيد بناء على الاقتتال القائم بين الطرفين منذ مدة وما استتبعه من معارك إعلامية وشرعية وسياسية.الخلاف بدأ تبايناً في وجهات النظر واختلافا في التقدير.. هل جبهة النصرة هي فرع للدولة الإسلامية، وزعيمها أبو محمد الجولاني ليس إلا جنديا عند أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة؟ أم أن الرجلين كلاهما مبايع لزعيم تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري وبالتالي ما يحكم به الأخير في أي خلاف بينهما يعتبر نافذاً؟ لم يتعد الخلاف من الناحية الشرعية هذا الأمر، ولا أعتقد أن الدماء التي سالت بين الطرفين تستحق أن تكون ثمرة لخلاف من هذا النوع في الأساس، ولن نقف طويلاً عند أدلة هذا الفريق أو ذاك وقد سوّد الطرفان المنتديات الجهادية ومواقع التواصل الاجتماعي في إثبات حقهما فيما يقومان به، وأنا أتفق مع من يقول بأن الخلاف بين التنظيمين يمثل ولادة جديدة لتنظيم القاعدة، لكنها ولادة أتت بتوأمين، الأول جبهة النصرة التي تشبه كثيراً والدتها شكلاً ومضموناً وقد تبزها تموضعا في الإطار الاجتماعي والسياسي معتمدة على سلسلة من التجارب النقدية للتيار الجهادي والثاني تنظيم الدولة المولود الأكثر جرأة وتشدداً وتصلباً حتى من الوالدة المنجبة له. والسؤال التالي: هل سيقف الصراع بينهما عند الحدود السورية أم سيتمدد جغرافيا تناسبا مع تمدده فكريا وسياسيا؟على ما يبدو أن مؤشرات التمدد أكثر من غيرها، وتمدده سيخترق حدود سايكس-بيكو إلى العراق وربما مناطق أخرى في وقت لاحق. ودعوات الظواهري لتنظيم الدولة بالرجوع إلى العراق، لأن الأمانة هناك أكبر من يحملونها لم تعد تجد آذانا صاغية عند تنظيم الدولة الذي بدأ حربه الإعلامية كما العسكرية على قيادات تنظيم القاعدة الحالية والمنظرين للتيار السلفي الجهادي الذين انحازوا إلى تنظيم جبهة النصرة على حساب تنظيم الدولة. والاتهامات بالعمالة والصحوات والإرجاء والردة والفكر الخارجي أصبحت سلاحاً يستعمله الفكر القاعدي المنشق على نفسه بين نسختين، الدولة الأكثر تشددا وتصلباً وتطرفاً وبين جبهة النصرة المهادنة والأكثر برغماتية في التعاطي مع الواقع السياسي والعسكري والاجتماعي في سوريا.وتبعا لهذا الصراع المتنامي يأتي التمدد باتجاه معاكس، فكما تمدد تنظيم الدولة من العراق إلى سوريا بإيفاد مقاتلين تحت راية جبهة النصرة ها هو التمدد المعاكس من سوريا إلى العراق. وهو تمدد فكري قد يعقبه تمدد عسكري. ويدرك المتابع لسلسة تغريدات أبي مارية القحطاني شرعي جبهة النصرة والناطق باسمها أنه يمهد لعملية مراجعة فكرية لجبهة النصرة في تعاطيها مع الواقع السياسي والعسكري والاجتماعي في العراق انطلاقاً من التجربة التي خبرها وتنظيمه في سوريا. يقول أبو مارية مبرراً مراجعاته وممهدا لها: "ولعل البعض تابع تغريداتنا قبل عامين أو أقل، ولكننا ببركة الشام جعل الله لنا فرقانا، فميزنا بين منهجين وعلمت أنني إن بقيت معهم (أي تنظيم الدولة) فأنا على ضلال وعرفت حقيقة منهج القاعدة بعد أن تواصلنا مع الإخوة. وجاءت رسائلهم تحمل معنى الجهاد فوجدت الفارق بين منهج الشيخ عطية الله الليبي وكأنني كنت في عالم ثانٍ وقارنت بين منهج جماعة الدولة وما بين منهج تنظيم القاعدة وعلمت يقينا أن أهلنا في العراق ظُلموا وظَلموا، لأن من تسلط عليهم لا يحمل منهج وفكر القاعدة، وظَلموا لأنهم حملوا كثيرا على القاعدة وهم معذورن، لأنهم يعتقدون أن داعش هي فرع من القاعدة". ويتابع أبو مارية في تغريداته: "وبعد اطلاعي على رسالة الشيخ عزام الأمريكي المسربة في حادثة استشهاد الشيخ أسامة أيقنت جيدا أنهم خوارج وغلاة وأكد لي صحة الرسالة الإخوة الثقاة الذين وفدوا من خرسان فأيقنت جيدا أن من الواجب أن نبين ونصدع بالحق".وبعد أن تبين له الفرق بين منهجين، منهج القاعدة الصحيح ومنهج تنظيم الدولة الخارجي، يتوجه إلى الشعب العراقي وفصائله المقاتلة: أقول لأهلي في العراق سامحونا لأننا ظلمناكم، سامحونا لأننا وصفناكم بالصحوات وقلدنا خوارج العصر، ولا ننكر أن هناك صحوات حقيقة وجدت في العراق وما زالت تدعمها أمريكا والهالكي (نوري المالكي). ولكن اعتذارنا من الفصائل التي قتل قادتها على يد الخوارج (الدولة الإسلامية في العراق) فقاتلتهم وعاقبت بالمثل فحكم عليهم بالصحوات. وكما أعتذر لمن سبقني بالهجرة والجهاد إخواني وشيوخي في جماعة أنصار السنة (أنصار الإسلام). فهل هذا يعتبر اعترافا صريحاً من قبل تنظيم القاعدة بأخطاء ارتكبها في العراق قد أدت إلى ما آلت إليه الأوضاع في العراق؟ وهل تتأسس على ذلك مراجعة فكرية لكل الطروحات التي ولدت في العراق أو من رحم التجربة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي له؟ وإلى أين قد تصل هذه المراجعات؟ تبقى الإجابة رهن قادم الأيام.!