14 سبتمبر 2025

تسجيل

من العراق إلى سوريا.. مخاضات عسيرة

31 مايو 2013

أكثر من خمسمائة قتيل في العراق خلال شهر مايو الجاري وحده بحسب إحصاءات الوكالة الفرنسية للأنباء. البلد يغرق رويدا رويدا في أتون الأزمات الأمنية والسياسية. بعضها يتشابك مع بعض. اعتصامات في الأنبار منذ عدة شهور، بدأت بمطالب سياسية اعتبرتها الحكومة محقة لتصل فيما بعد إلى جمعة حرق المطالب بعد أن هاجمت قوات الشرطة والأمن اعتصام الحويجة، وقتل فيها ما يقرب من أربعين شخصا، لتتحول الأمور إلى المطالبة بإقامة إقليم سني مستقل بعد أن تعثرت الحلول السياسية بين الحكومة ومنظمي الاعتصامات في المحافظات السنية المعتصمة. فمبادرة رجل الدين السني الشيخ عبد الكريم السعدي لحقن الدماء وترتيب البيت العراقي لم يكتب لها الحياة بعد أن وئدت في مهدها حين لم تعرها الحكومة أهمية، واعتبرت أن ما يجري في هذه المحافظات تحركه أياد خارجية عابثة بأمن العراق ووحدته الداخلية. وهكذا كاد ردّ المعتصمين في الأنبار جاهزا : لا صلح ولا تفاهم مع حكومة طائفية إقصائية تستهدف سنة العراق وتركب موجهة التحالف مع إيران في إطار اصطفاف مذهبي يرسم لهلال شيعي. العراق ينزلق في رمال متحركة بعد أن وصلت أزمته السياسية إلى طريق مسدود. فرز مذهبي ينصب في تربة خصبة بالطائفية. . امتداداته تتخطى العراق فترتبط بما يدور حوله إقليميا.. إنها الأزمة السورية القائمة، قالها المالكي يوما: إن انتصار المعارضة المسلحة في سوريا يعني حربا طائفية في العراق.. ربما تترجم في المشهد العراقي اليوم. فهل الدعوة إلى قامة إقليم سني في الأنبار سيكون حلا للأزمة المتفاقمة أم أنه سيسرع في انقسام البلاد إلى كانتونات عرقية ومذهبية؟. على ما يبدو أنه يسير بالبلاد نحو التفكك، فالدستور العراقي ما بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 سمح بإقامة الأقاليم وتعددها، ولم يضع ضوابط واضحة تحول دون تطورها الى كيانات مستقلة. وهكذا يخال لنا أننا إزاء إقليم في الشمال هو في طريقه للاستقلال، ولا توقعات بفرملة استقلاله بعد أن قطع شوطاً طويلا في تهيئة التربة انتظارا للحظة إعلان الاستقلال التام عن العراق. ولعل القلق من تداعياته على دول الجوار مثل تركيا وإيران هو السبب الأساسي الذي يحول دون إعلان استقلال الإقليم بشكل رسمي، وإلا فالمعاملة التي تتم بين الإقليم والحكومة المركزية تبدو وكأنها بين دولتين متجاورتين. ثم إن الدعوة في المحافظات السنية الأخرى (غرب ووسط) إلى إعلان الإقليم بعد أن يئست قياداته من إمكانية التعايش في ظل حكومة يرونها طائفية، يبدو أن طريق الأقاليم هي لغة التواصل في زمن العراق القادم.. وهكذا تلقائيا سيصبح الجنوب إقليم هو الآخر ومن هنا يتفكك العراق. وإذا ما أخذنا بالاعتبار ما تتعرض له سوريا أو ما يمكن أن تتعرض له من تفكك فإنه سينعكس لا محالة على الوضع العراقي، بل إن الانعكاس بدا متبادلا بعيد انطلاق الحراك الثوري في سوريا.. وإذا وسعنا الرؤية، نجد أنفسنا أمام زلزال يضرب في عمق الدول العربية التي بات الحرص على وحدة أقاليمها وأوطانها أساسا لحفظ هويتها. مصر اليوم مهددة بفعل العوامل الداخلية والخارجية، وما مشروع النهضة الأثيوبية إلا بداية تطويقها من جديد والحيلولة دون خروجها عن الطوق الذي يلف عنقها منذ اتفاقية كامب ديفيد.. لبنان هو في عين الإعصار حاليا، وقد قطع جواز مرور إلى الحرب الأهلية وما تشهده بلداته ومدنه إن هو إلا إرهاصات هذه الحرب التي ستأتي على ما تبقى من مقومات الشعب والدولة.. الأردن بلد يترقب، وهو على قائمة الانتظار أمام المخاض العسير في المنطقة، وهو يخوض لعبة القط والفار مع المعارضة الداخلية دون أن يقوم بعملية إصلاحية جذرية، لأنه يعتقد أن بلعبته الحالية قد ينجو من الإعصار الضارب في دول الجوار.. اليمن، ليبيا، لا تختلف كثيرا، ولا رؤية عربية لما يمكن أن تؤول إليه الأمور باستثناء أن ما نشهده هو رسم جديد لخارطة الشرق الأوسط بعد أن استنفدت تفاهمات سايكس - بيكو صلاحيتها.