14 سبتمبر 2025
تسجيللو أن الدكتور محمد مرسي – مرشح الإخوان وحزب العدالة فاز من الجولة الأولى بنسبة كاسحة لاجتمع عليه كل الخصوم من كل حدب وصوب، ولكان ذلك سببا لتلاقي بعض الثوار " المؤدلجين " بطريقة خاطئة ممن ثبت أنهم مستعدون لبيع الثورة لشفيق أو لأي أحد غيره وحتى للاشيء - مقاطعة الانتخابات – لمجرد مزاحمة الإخوان والغيرة منهم، ولنتخيل حالة رئاسة تبدأ عهدها بصراع مع الكل، ولنتخيل رئيسا مدنيا لم يحدث نفسه يوما بأنه يمكن أن يكون نائبا لرئيس الجمهورية ولا حتى مستشارا له .. كيف سيكون حاله في مواجهة كل هذه المتاعب وفي الآن نفسه في مصادمة تحديات مؤسسة عسكرية وأخرى أمنية لا تتقبلانه، وفضائيات ناشزة تملأ الأفق عداوة له وإشاعات وأكاذيب وإرجافات وتخويفات منه.. إن فوزا من هذا القبيل وبهذا الحجم ومن الجولة الأولى كان سيقلل قدرته على تجزئة مشروعه "النهضة " أو تدريجه أو تأخيره الذي أصبح بمثابة عقد بينه وبين شعبه وناخبيه.. لكن الله تعالى سلّم .. واقتضت حكمته سبحانه ألا يفوز " مرسي " من الجولة الأولى، وأن يصعد معه إلى الجولة الثانية أسوأ المرشحين ومن ليس له أي علاقة بالثورة ولا حتى بالحس الوطني الذي قامت عليه ( حتى إنه ليس عمرو موسى ) ذلك جعل الفرق كبيرا ووضع جميع المصريين بين اختيارين لا ثالث لهما ؛ فإما مرشح الإخوان أو الرجوع لعهد الظلام والفساد والسقوط .. فسبحان من صنع ذلك على عينه .. وسبحان من جمع لمرشح " الإخوان " كل الثوار وكل أعداء وشانئي النظام الساقط .. وسبحان من جعل غلاة خصوم " الإخوان " يجتمعون مع " مرسي" إن لم يكن عن حب وكرامة وولاء .. فعلى اضطرار ولكراهة شفيق وحرصا على الثورة أو خوفا من أن يتهموا بالتجديف ضدها .. سبحان من سلّم ! وتعالى من حكم! وأن يرفض بعض الإسلاميين من المستجديين على العمل الرسمي التحالف مع الإخوان قبل الانتخابات، وأن يرضوا بدلا من ذلك التحالف مع الليبراليين والقوميين واليساريين.. لقد أحدث ذلك التمايز والمفاصلة والتجرد في أجلى صورها .. وكان مطلوبا وضروريا وجوهريا ليظهر الله تعالى ما في عقيدة هذا البعض من " الدخن " وهم الذين كانوا دائما يتطاولون على الإخوان ويتهمونهم به.. التمايز مطلوب وضروري للإخوان لأنهم يريدون إنجاح مشروع مميز لا إنجاح أشخاص.. والحقيقة أن الإسلاميين ليسوا شيئا واحدا وأن ما بين الإخوان وبين " البعض " منهم اختلافات في الفكر وفي السلوك وفي سوء الظن بما يزيد أحيانا عما بين الإسلاميين وغير الإسلاميين منها.. أليست هذه هدية من السماء ؟ وأعظم بها من هدية! الله تعالى سلّم ولكن ذلك ليس ذلك نهاية المطاف.. إذ لا تزال أمام السيد " مرسي " جولة إعادة .. ولا تزال احتمالات المفاجأة قائمة .. لذا فالمطلوب من " الإخوان " باعتبارهم القيادة الأولى في مواجهة النظام الساقط أن يديروا مرحلة ما بين الجولتين حتى يوم 16 / 6 القادم بشكل جيد ليتمكنوا من الوصول لتوافقات وضمانات متبادلة مع رفقائهم في الثورة والإصلاح تحت عنوان حماية المنجزات الثورية وتحصين أفق الثورة المصري والعروبي والإسلامي لكي ينطلق السيد " مرسي " في رئاسته المتوقعة مع كل القوى الثورية لا بعيدا عنها ولا تعثره عنها الاختلافات الأيديولوجية والمصالح الضيقة .. وأقول: على الإخوان المسلمين أن ينجحوا في أمرين اثنين وأن يبنوا عليهما ؛ أولا : أن ينجحوا في إيجاد القاسم المشترك البرامجي بينهم وبين كل الاتجاهات والأحزاب – الثورية والوطنية - وثانيا : أن يدشنوا لغة حوار مع كل الناس موافقيهم ومخالفيهم على السواء .. على الإخوان ليحصلوا ذلك أن ينظروا في ثوابتهم ك" إخوان " فيعتمدوا الحد الأدنى منها، وأن ينظروا مرة أخرى فيما لدى الآخرين فيعتمدوا الحد الأعلى منها بما لا يناقض تلك الثوابت.. المتيقن منه هنا هو أن ما يجمع الإخوان مع غيرهم من الكتل والأحزاب والاتجاهات الوطنية والثورية أكثر وأكبر مما يفرقهم.. ولئن عمل الإخوان على هذه الجوامع وانشغلوا بها فالأكيد أنهم لن يجدوا هم ولا سواهم وقتا يضيعونه في المفترقات التي قد تأتي بعد عشرات السنين من المعالجات ومن التقاربات فإن جاءت كان ما تحصل من الثقة والتفهم كفيلا بإبقائها في الحد الأدنى.. الإخوان اليوم يتحدثون من هذا الفهم وبهذا المنطق.. وقد سمعنا منهم لغة حوار راق بعيدة عن الاستعلاء والاستعداء بقدر ما هي صادقة وصحيحة ومفهومة وغير حزبية وتتناسب مع الموقع العام الذي ينافس عليه السيد " مرسي " كرئيس للجمهورية يمثل كل المصريين؛ من يوافقونه منهم الرأي والموقف ومن يخالفونه ، ومن هم على عقيدته ودينه ومذهبه ومن هم على نقيض ذلك .. أما المستعجلون من الإسلاميين عموما والإخوان منهم خصوصا والذين قد يسرق النصر حكمتهم فيتوهمون أنهم في نهاية الطريق لا في أوله وأن لغة الإخوان اليوم فيها من الرقة وأنها تقوم على المداهنة والمصانعة.. فعلى هؤلاء أن يربعوا على أنفسهم وعلى إخوانهم، وعليهم ألا يبغّضوا دين الله للناس.. وألا يغرقوا أنفسهم في الاختلافات الأيديولوجية التي تفرق الثوار وتقلص فرص نجاح الثورة، وما صبروا عليه لثمانين سنة أو يزيد يستحق أن يصبروا عليه عشرا أو عشرين أخرى حتى تتمهد الأسباب وإلى أن تكون الدولة الإسلامية تطورا طبيعيا للثورة وللحرية وللعدالة.. ومطلبا عاما مبررا للناس لا إكراهيا عليهم .. وعليهم أن يتذكروا أن الإسلاميين كانوا ولوقت قريب لا يتعدى شهورا مضت في نظر كثيرين كما لو أنهم من عالم آخر وليسوا من الأمة أو ليس لهم حق الوجود فضلا عن ممارسة الحكم .. فلا يستعجل هؤلاء فإن "العجلة من الشيطان " و" إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" .. آخر القول: ما تمخضت عنه جولة الانتخابات الأولى للرئاسة المصرية وصعود مرشح " الإخوان المسلمين " وحزب " العدالة " الدكتور " محمد مرسي " إلى جولة الإعادة، وأن يكون خصمه القادم ومنافسه الوحيد هو " أحمد شفيق " مرشح النظام الساقط .. كل هذه النتيجة وبكل المقاييس تعتبر هدية من السماء للشعب المصري عامة ولـ" الإخوان المسلمين " ومرشحهم خاصة.. وهي أفضل بكثير من أن يفوز السيد مرسي بنسبة كاسحة من الجولة الأولى وأفضل بكثير من أن ينتقل لجولة الإعادة ضد أحد الرموز الوطنية الثورية كصباحي أو أبو الفتوح.. والحمد لله رب العالمين.