12 سبتمبر 2025

تسجيل

الرأي العام في عصر الفضاء الرقمي (1)

31 مارس 2018

أرجع الكثيرون ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن إلى الشبكات الاجتماعية وهذا من خلال نظرية خطية أحادية الطرح والتحليل. فالإعلام الجديد ساهم حقيقة في تجنيد الجماهير وتعبئتهم للاستمرار في الاحتجاج والتظاهر، لكن أسباب الثورة أكبر بكثير من الشبكات الاجتماعية. فهناك الفقر والحرمان والفساد والطغيان والاستبداد وأشياء أخرى كثيرة جعلت من الفئات الاجتماعية المختلفة تفكر في الثورة والتغيير والنظر إلى مستقبل واعد. أدى انتشار التكنولوجيات الرقمية في العالم العربي إلى مساحات سياسية كبيرة للنقاش والحوار والاختلاف والنشاط السياسي والنضال والاندماج. إلى أي مدى استطاعت البيئة الإعلامية والاتصالية الجديدة وتستطيع مستقبلا إفراز سياسة بديلة عن تلك التي سادت لعقود من الزمن، وستستطيع أن تحدث التغيير الاجتماعي. ما هو الجديد في الإعلام الجديد وبخاصة الشبكات الاجتماعية وكيف استخدم الناشطون والشباب والمتظاهرون والمحتجون والمهمشون والطبالون وغيرهم الإعلام الجديد للنقاش والحوار والتوعية والتعبئة والتجنيد والمظاهرات والاحتجاجات لتغيير الأوضاع والاستجابة لمطالبهم. كيف تعاملت السلطة مع الإعلام الجديد؟ وهل نجحت في تكميمه؟ ما وفرته الشبكات الاجتماعية هو فضاء جديد يعتمد على وسائل اتصالية سريعة في عملية نقل الصورة والنص والصوت. هذه التكنولوجيا الجديدة ساعدت في عملية نقل الأخبار والأحداث من ساحات وميادين الأحداث، ليس للمهتمين في الداخل فقط، وإنما إلى العالم بأسره. كما ساعدت الشبكات الاجتماعية الجميع ذكورا وإناثا، شبابا وكهولا في المشاركة في الفضاء العام الافتراضي الجديد الذي عجزت السلطة بأجهزتها البوليسية أن تضع قيودا لحجبه أو التحكم في محتواه ومراقبته. نجح الإعلام الجديد بدرجة كبيرة في نقل الأحداث من الساحات والميادين بسرعة كبيرة وجعلها متاحة ومتوافرة للجميع ليس فقط محليا، وكذلك دوليا؛ حيث ساهم الجميع كل حسب إمكانياته في نقل الأحداث أو مناقشتها والتعليق عليها...الخ. كما نجح كذلك في ربط المواطنين المغتربين بوطنهم ووفر لهم إمكانية التفاعل والمساهمة والمشاركة والنقاش وإبداء الرأي. هذه الخصائص والمميزات ساعدت على إعطاء نفس كبير للحركات الاحتجاجية وقوة الصمود والاستمرار حتى تحقيق الأهداف المنشودة. المقصود بالإعلام الجديد هو الجيل الجديد من تكنولوجية الاتصال كالانترنت والاتصال عن طريق الأقمار الصناعية والبث التلفزيوني المباشر وغيرها من الوسائل التي غيرت قنوات واستخدامات الاتصال ابتداء ًمن الربع الأخير من القرن الماضي. وإذا أخذنا الانترنت كمثال نلاحظ أنه يوفر ثلاثة مجالات للاستخدامات: الاستخدام الفردي — الجماعي (المدونات، المجموعات الإخبارية، البريد الإلكتروني، الدردشة، والمواقع على الشبكة). أما المجال الثاني فيشمل المنظمات والمؤسسات (منظمات الأعمال، مواقع الشركات، جمعيات، مواقع إدارات ودوائر حكومية ومواقع كيانات مختلفة). أما المجال الثالث فيشمل المجال الإعلامي أي استخدام وسائل الإعلام للشبكة كمواقع المؤسسات الإعلامية والإعلام الإلكتروني بأشكاله المختلفة. ساهم الإعلام الجديد في كسر آليات الاتصال التقليدية وهيمنة السلطة على الإعلام وخاصة الرسمي منه وبذلك التحكم في الرأي العام. فالبث الفضائي المباشر والتطبيقات المختلفة للانترنت كالتدوين والمنتديات والشبكات الاجتماعية فرضت كلها منطقا جديدا وحضورا إعلاميا وعلنية لم تكن موجودة من قبل. فوساطة الدولة انهارت، هذه الوساطة التي كانت تحدد للجمهور ما يشاهد وما يقرأ وما يسمع. من جهة أخرى، أدت التطورات الجديدة التي أفرزها الإعلام الجديد إلى قدرة المواطن على امتلاك أدوات التواصل والنشر والحضور في الفضاء العام. فالشبكات الاجتماعية فتحت المجال أمام المواطنين لطرح قضاياهم ومشاكلهم وهمومهم وللتفاعل فيما بينهم وهذا ما أفرز فضاءً عاما نشطا وفعالا. هذه الشبكات كذلك عززت ثقافة الحوار والنقاش وعززت الاستقلالية الثقافية والانفتاح على الآخر. يوفر الإعلام الجديد حزمة من الفرص للأفراد والمنظمات والجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والسياسية والرياضية والثقافية والدينية والمؤسسات الإعلامية...الخ لتبادل المعلومات والتفاعل والتواصل مباشرة مع الآخر بدون تكلفة وفي فترة وجيزة لا تتعدى ثوان معدودات. يوضح "نويمن" الفرص التي سيقدمها الإعلام الجديد على النحو التالي: سيختصر معنى المسافة الجغرافية، يسمح بارتفاع كبير في حجم الاتصال، يوفر إمكانية زيادة سرعة الاتصال، يوفر فرص الاتصال التفاعلي، ويسمح بأشكال التواصل التي كانت في السابق منفصلة وغير قابلة للتماس والتشابك. لقد استطاع الإعلام الجديد أن يحدث ثورة في عالم الاتصال لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، حيث انه جاء بشبكة اتصال عالمية سمعية وبصرية ونصية إلكترونيا والتي من شأنها أن تنهي التمييز بين الشخصي والجماهيري وبين الاتصال العام والخاص. يرى كل من دوجلاس كلنر وجايمس بوهمان أن الإعلام الجديد وخاصة الانترنت يوفر فضاءً عاما ديمقراطيا يستطيع من خلاله المواطنون التفاعل والحوار والنقاش ومن ثمة المساهمة في نقاش غني مفتوح للجميع. يوفر الإعلام الجديد مناخ الفرص الشاملة على المستوى العالمي لفضاء عام معولم. نشاهد اليوم "مجتمعات افتراضية" على الشبكة اختصرت المسافات الجغرافية وتخلصت من الضغوط الاجتماعية. لكن الإشكال المطروح هنا هو: ما موقع دول العالم الثالث في العولمة وفي الفضاء العام المعولم؟ يرى الأكاديميون المختصون أن الإعلام الجديد بصدد إفراز مجتمع ما بعد الثورة الصناعية أو المجتمع المعولم؛ بينما نلاحظ أن غالبية الدول النامية ومن بينها الدول العربية ما زالت تعيش في مرحلة الموجة الثانية كما حددها ألفين طوفلر. ماذا عن الفجوة الرقمية و80 مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة؟ هل العولمة توفر الفرص بالتساوي للجميع؟ وهل كل واحد بإمكانه أن يبني طريقة حياته ويختار أيديولوجيته من بين هذا العدد الهائل من الاختيارات؟