19 سبتمبر 2025

تسجيل

لوحة دافنتشي ولعنة الأرجنتين

31 مارس 2018

لا يستسيغ الكثيرون الإطناب في المفارقات الطريفة، لكن بعضها يؤزك أزا ويجعلك مشدودا إليها جاحظ العينين فاغر الفاه؛ وفي مفارقة جودُ الإله بالمال وهدرُ البعض له بإهمال، تحدثنا صحيفة ديلي ميل، وإذا حدّثت ديلي ميل فصدقوها فالقول ما قالت. تقول الصحيفة ذات الصيت الواسع أن وليي عهد كل من السعودية محمد بن سلمان وأبو ظبي محمد بن زايد تنافسا — دون أن يعرف كل منهما المنافس الآخر — في مزاد لشراء لوحة "سلفاتور منتي" للرسام العالمي ليوناردو دافنتشي بسعر خيالي، وذلك لاعتقاد كل منهما أن المنافس الآخر في هذه العملية من قطر. ورغم أن اللوحة ذات قيمة وشهرة عالميتين، إلا أن المشتري القطري استكثر عليها مبلغ 85 مليون دولار وتركها غير آسف عليها. المفارقة أنها بيعت أواخر نوفمبر الماضي في مزاد بنيويورك بأكثر من 450 مليون دولار، أي بأكثر من أربعة أضعاف الثمن المرفوض قطريا. مهلا ليست هذه المفارقة فحسب، إذ أن هذا السعر وصل إلى هذا المبلغ الخرافي — حسب الصحيفة — بسبب تنافس كل من ولي عهد السعودية وولي عهد أبوظبي ولم يكن أي منهما على علم بأنه يقف منافسا رئيسيا للآخر، فقد ظن كل منهما بأن منافسه هو المشتري القطري وكان هدف كل منهما ألا يحصل عليها في النهاية المشتري القطري. في النهاية دفع ولي العهد السعودي 450 مليون دولار في ذات الوقت الذي اعتمد فيه إجراءات تقشف وأطلق حملة مكافحة الفساد في بلاده. لكنه تحت هول المفاجأة وتعارض فكرة شراء اللوحة مع دعوات التقشف، تم إبرام اتفاق مع ولي عهد أبوظبي، يقضي باستبدال اللوحة بيخت كان معروضًا للبيع بمبلغ يقارب قيمة اللوحة، وهكذا استقر اليخت في السعودية بينما طارت اللوحة إلى الإمارات لعرضها في متحف اللوفر. ولوحة سالفاتور منتي هي للرسام الإيطالي ليوناردو دا فينتشي وتمثل المسيح في وضعية سالفاتور منتي، أي مخلّص العالم وهي الوضعية التي يتخذها يسوع المسيح ويظهر فيها جالساً رافعاً يده اليمنى، وفي يده اليسرى حاملاً كرة زجاجيةً يعلوها صليب. ورسمها بين عامي 1506 و1516 لأجل ملك فرنسا لويس الثاني عشر. هذا التبذير في الأموال دعا عبد الفتَّاح السيسي، عندما كان وزيرًا للدفاع، أن يتحدث في تسريب صوتي عن المبالغ الماليَّة المستهدفة من ثلاث دول منها السعودية والإمارات والطرق الممكنة لتحويلها إلى حسابات الجيش المصري. ويعتقد السيسي أن "الفلوس عندهم زي الرز"، طالبًا تحويل ثلاثين مليار دولار من تلك الدول. إن عواقب التبذير وخيمة وقد تصيب المبذرين لعنة الأرجنتين، التي كانت تسمى دولة السًّمن والعسل في القرن التاسع عشر. يذكر الكاتب الإنكليزي ألن بيتي في كتابه الاقتصاد الكاذب الذي يراجع تاريخ الاقتصاد في العالم، بأن الاقتصاد الأرجنتيني كان مشابهاً إلى حد كبير وواعداً بنفس المستوى الاقتصاد الامريكي. ويقول الكاتب الامريكي أن الفرق بين الاثنين أن الأمريكيين استخدموا فائض ثروتهم الزراعية الهائلة لبناء اقتصاد صناعي من خلال استيرادهم للفكر الصناعي الأوروبي. بينما استعملت الأرجنتين فوائض ثروتها الزراعية الكبيرة لاستيراد بضائع البذخ والرفاهية من أوروبا ولصرف جزء كبير من تلك الثروة على حياة البذخ والابتذال التي عاشتها الأقلية الأرجنتينية الفائقة الغنى في مدن أوروبا. وانتهى الاقتصاد الأمريكي إلى كونه أقوى الاقتصادات العالمية، فيما انتهت الأرجنتين إلى إعلانها إفلاسا مدويا منذ نحو عشرين عاما وهبوطها من عاشر اقتصاد في العالم في خمسينيات القرن الماضي إلى دولة من العالم الثالث الموسوم بالفقر والتخلف.