19 سبتمبر 2025
تسجيلنتشابه في الأجسام كبشر، لكن العقول لا تتشابه، فليس كلنا يفكر بالطريقة ذاتها مع آخرين، وكذلك لا نرى الشيء بعيوننا بالطريقة التي يراها البعض الآخر، ولا نفهم الأمور بذات الطريقة التي يفهمها غيرنا، بل نختلف وسنختلف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.القناعات هي واحدة من الأمور التي يختلف البشر فيها، وبشيء من التفكر والتأمل قد يصل أحدنا أحيانًا إلى قناعات معينة لا يمكنك إزاحته عنها أو تلك القناعات عن نفسه ولو ملكت ما ملكت من القوة والتأثير.. وشواهد في التاريخ كثيرة، يمكننا الاستشهاد ببعضها للدلالة على هذه الجزئية المعقدة في تركيبة الشخصية الإنسانية.. وسنكتفي بشخصية الصحابي الجليل، مصعب بن عمير كنموذج لما نتحدث فيه.عاش مصعب حياة رغيدة مرفهة في مكة، فلما سمع بخبر الدين الجديد، قرر الانتقال مما كان عليه إلى حياة أخرى لا يدري الكثير عنها.. ولقناعات معينة تكونت في أعماقه، استمر على حياته الجديدة حتى بعد أن عرف قسوتها وصعوبتها، حيث لم يتردد في قراره ويتراجع، بل آثر الاستمرار وفق قناعاته الجديدة، عن أن يعود إلى سابق ما كان عليه، رغم أيضًا كل محاولات أمه، التي كان مصعبُ بارًا بها كثيرًا، لكنه في هذه النقطة المفصلية من حياته، آثر الدين عليها!!حتى نفهم ما جرى، دعونا نرجع مرة أخرى لمقدمة هذا الموضوع، لنؤكد مرة أخرى بأن الإنسان منا هو مجموعة قناعات، قد تتغير بعضها وتتبدل بفعل مؤثر ما، لكن بعضها الآخر تتجذر وتصل إلى أعماق النفس، بحيث لا يمكن لأي قوة أن تخلعها وتغيرها.. إن مثل تلكم القناعات هي التي أخرجت مصعب بن عمير، الذي أصبح بعد ذلك أول سفير في الإسلام، من حياة كان يتمناها أي شاب في مكة، إلى أخرى خاف كثيرون منها لعديد من السنوات.ليحترم إذن كل منا قناعات الآخر، ولا يكره أحدٌ أحدًا على تغيير ما يؤمن ويقتنع به، ولا يستخدم عنفًا أو قوة في سبيل ذاك التغيير، بل بالمجادلة الحسنة، فالعنف غالبًا لا يأتي إلا بعنف أشد.. أو هكذا تقول التجارب والأحداث.