02 أكتوبر 2025

تسجيل

الالتزام المسؤول يحقق التقدم- 2-3

31 مارس 2013

وصلتني العديد من التعليقات الإيجابية بعد كتابة مقالي السابق عن سر تفوق سنغافورة وتميزها. ونتجول اليوم في عالم سنغافورة من خلال أبعاد أخرى، كانت سببا آخر جعلت من هذه الجزيرة دولة من دول العالم الأول رغم حداثة عمرها. في أثناء زيارتي اطلعت على نظام التعليم العام والعالي فيها، بعد زيارتي لعدد من المؤسسات المدرسية والجامعية الرائدة. في غضون عقود قليلة، حققت سنغافورة إنجازات هائلة من خلال تطوير نظام تعليمي، يعتبر أحدَ أرقى أنظمة التعليم في العالم بلا منازع. حيث مكنها نظامها التعليمي من تكوين كفاءات وخبرات أسهمت في بناء اقتصاد البلد. لقد فهمت سنغافورة أنها لا تملك أية موارد طبيعية تساعدها على تحقيق نموّ اقتصادي. فهي دولة في مدينة واحدة، مع جزر صغيرة جدا من جوانبها. فاختارت سنغافورة أن تركز على رأس المال الحقيقي الذي تملكه، والذي اعتمدت عليه في تحقيق معجزتها الاقتصادية: الإنسان. ويعتبر نظامُ التعليم في سنغافورة واحدا من أفضل أنظمة التعليم في العالم. كما تعدّ التجربة السنغافورية في التربية والتعليم من التجارب الرائدة التي تستحق الوقوف عليها والتوقف عندها من أجل الاستفادة منها. وتكمن مهمة التربية والتعليم في تكوين وبناء الإنسان السنغافوري، لتجعل منه عنصرا قادرا على المساهمة في تطوير مستقبل بلده. حيث تسعى وزارة التربية والتعليم إلى مساعدة الطلبة على اكتشاف مواهبهم، واستغلال طاقاتهم بأفضل شكل ممكن، والتعلم أكثر، وتحقيق نتائج جيدة.. لقد اعتنت الحكومة السنغافورية عناية بالغة بالتعليم، باعتباره ركيزة أساسية للتقدم والتفوق، وخصصت له خمس ميزانية الدولة. وقد لفت النظام التعليمي السنغافوري الأنظارَ، حين نجح الطلاب السنغافوريون في بلوغ مراكز جد متقدمة في مسابقات الرياضيات العالمية، خاصة أنهم فازوا بمسابقة(TIMSS) العالمية للرياضيات والعلوم لأعوام عديدة. لقد حفزت هذه النتائج دولا عديدة، منها الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة أسرار تفوق الطلاب السنغافوريين في الرياضيات، للاستفادة من التجربة السنغافورية في التعليم. كذلك الحال بالنسبة للتعليم العالي في سنغافورة يعتبر من أهم أولويات الحكومة السنغافورية. ولا تسعى وزارة التربية في سنغافورة إلى الرفع من مستوى التعليم، لأنه يعد حاليا جد متقدما. ولكنها تسعى إلى الرفع من قدرته على التأقلم مع رهانات التنافسية العالمية. حيث تسعى الحكومة السنغافورية، منذ سنوات 1990، إلى جذب معاهد أجنبية ذات سمعة عالمية جيدة، عن طريق إنشاء مراكز تكوين لها في سنغافورة. والهدف من ذلك هو أن تصبح سنغافورة مركزا دوليا في التعليم، وتستقطب أكبر عدد ممكن من الطلبة الدوليين.. أن نجاح وتفوق سنغافورة يعد لنجاح الخطة التي وضعها المؤسس والزعيم السنغافوري لي كوان يو، والذي تجاوز عمره الآن الخامسة والثمانين. لم تكفه النجاحات وتقدير أغلب زعماء العالم بمن فيهم الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الذي قال عنه مرة إنه من المفارقة أن زعيم بإمكاناته الكبيرة يصبح رئيس بلد صغير مثل سنغافورة. لقد استطاع أن ينقل هذا البلد من دولة متخلفة استعمرتها بريطانيا، واحتلتها اليابان، إلى دولة من أنجح الدول حول العالم.. الآن الكثير من المبدعين والناجحين يرحلون إليها، وبعضهم حمل جنسيتها، كما فعل مؤخرا أحد مؤسسي موقع الفيسبوك الذي تخلى عن الجنسية الأمريكية- جزئيا بسبب الضرائب المرتفعة.