18 سبتمبر 2025
تسجيلتمر المنطقة العربية في مرحلة عدم استقرار مريبة ومحزنة. وفي حين لم تنجح جامعة الدول العربية في أن تكون الحاضنة للقضايا العربية والولاّدة للحلول لمشكلاتها فإن الانقسام العربي والخواء في الإرادات والسيادات الوطنية بلغ ما لا يسر ناظرا ولا يفرح عينا. لم تمر الثورات العربية على خير. حيثما مرت رياح الثورات كان الخارج متأهبا للتدخل ومن ثم لرسم التطورات وفقا لإيقاعه. هكذا حدث في مصر وفي اليمن. وفي ليبيا كان المشهد الأكثر تعبيرا عن الغياب العربي. غير أن الواقع السوري كان الأبرز بما لا يقاس. تحركت جامعة الدول العربية وانتهت مساعيها إلى خفي حنين. وما لبث الملف أن أحيل إلى حيث تتوافر القدرات والقوة والحل والربط. لا يعترف العالم سوى بموازين القوة. والعرب لا تنقصهم لا الطاقات ولا القدرات لكن الإرادة غير متوافرة لا تجاه إسرائيل ولا تجاه أي أزمة يواجهونها. لقد أظهرت الأزمة السورية أن العرب لا يزالون ساحة وملعبا لصراع الآخرين سواء كانوا قوى إقليمية أو كبرى دولية. لقد بات واضحا أن الموضوع السوري خرج من أن يكون فقط داخليا يمكن أن يحله السوريون بأيديهم. النظام بات جزءا من تحالف إقليمي دولي يمتد من لبنان والعراق وإيران إلى روسيا والصين والبرازيل وغيرهم. أما المعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلح فليست سوى شجرة دخلت خريفها قبل أن تبدأ ربيعها فتساقطت ثمارها واحدة تلو الأخرى.وبات أطرافها تتقاذفهم العواصم الأجنبية من اسطنبول إلى باريس بعد أن حطوا في تونس سابقا. ليس مستغربا أن تنسحب جميع الأحزاب الكردية من المجلس الوطني السوري عشية انعقاده الأحد في الأول من أبريل. وثيقة الإخوان المسلمين السوريين التي أعلنت من اسطنبول وتقضي بالمساواة التامة بين كل المواطنين السوريين في كل المواقع والمناصب وقطاعات الحياة بمعزل عن انتمائهم الديني والمذهبي والعرقي،لا يشجع كثيرا على أن تكون له ترجمة عملية على أرض الواقع بدليل يتيم وبسيط وهو أن المعارضة السورية التي اجتمعت في اسطنبول رفضت أن يتضمن بيانها الختامي إعطاء أي وعود بمنح الأكراد حقوقهم الثقافية والسياسية لأن المُخرج الفعلي للمعارضة يقع خارج الحدود. حيث إن أنقرة ترفض مثل ذلك لأنه سينسحب على مطالب الأكراد في تركيا وما إدراك ما موقف أنقرة من أكرادها. حتى المعارضة السورية المسلحة ليست ذات مرجعية عربية مباشرة بل تركية. لقد أظهرت مهمة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان أن القوى الكبرى وحدها تعرف حدود المصالح وحدود القوة. لتركيا حدود قوة تلعب في إطارها وتحفظ بعض مصالحها عند الاقتضاء دون خسائر كاملة وكذلك إيران. لكن هناك قوى أكبر منهما هي التي تلعب اللعبة الكبرى والنهائية. قبل أيام أعلن حزب العمال الكردستاني أنه سيحوّل تركيا إلى جحيم إذا ما عزمت على إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وبالتحديد في المناطق الكردية في شمال سوريا. وهنا يطرح السؤال ما الذي يحول دون أن تعترف تركيا بحقوق الأكراد في تركيا لكي لا يبقوا عامل توتر وشرخ وعدم استقرار في تركيا والمنطقة؟ والسؤال الأكثر أهمية الذي على أنقرة أن تجد جوابا له: لماذا لم تمنع واشنطن مقاتلي حزب العمال الكردستاني من التمركز في شمال العراق رغم أنها كانت تحتل العراق وقادرة على ذلك؟ ولماذا تمتنع القوى الكبرى عن التدخل العسكري في الأزمة السورية فيما تواصل تركيا وضع نفسها في موضع يتعارض مع سير العملية السياسية المحيطة بالأزمة السورية من تنظيم المعارضة وتسليحها ورفض مهمة كوفي عنان؟ لقد أظهرت الأزمة السورية والتجاذبات الحادة التي أحاطت قواعد جديدة للعبة في النظام الدولي لمصلحة القوة الروسية والصينية. ولم يتردد السلوك الأمريكي من أن يأكل من رصيد حتى حلفاؤه من العرب وتركيا حين اقتضت لعبة حدود النفوذ مع روسيا والصين. وفي كل الأحوال فإن النظام العربي والإقليمي(تركيا تحديدا) بحاجة إلى إعادة تحديد دوره في الصراعات الإقليمية والدولية بما يجعله مؤثرا وليس، كما هو اليوم، ضحية.