19 سبتمبر 2025
تسجيلبدون مقدمات وبطريقة درامية وبينما كانت كلمات الغزل تنساب بين الخرطوم وجوبا يعلن رئيس دولة جنوب السودان أمام أعلى هيئة قيادية للحركة الشعبية الحاكمة في جوبا أن قواته قد احتلت منطقة هجليج البترولية (7 كيلو مترات داخل حدود السودان من جهة الجنوب).. هرج ومرج وصيحات ابتهاج عالية أعقبت ذلك الإعلان الغريب.. وجه الغرابة أن سلفاكير يعترف أمام العالم بأنه أقدم على احتلال أراض دولة أخرى ذات سيادة، والأمر الثاني تأكيده على أنها أرض سودانية بينما تيارات داخل الحركة تعتبرها أراض تابعة لدولة جنوب السودان.. سلفاكير كان قد بعث بوفد وزاري رفيع المستوى إلى الخرطوم يحمل دعوة منه للرئيس السوداني عمر البشير لزيارة جوبا والاحتفال بالتوقيع النهائي على ما عرف باتفاق الحريات الأربع الذي كان قد وقع بالأحرف الأولى بين وفدي البلدين في أديس أبابا بإثيوبيا في وقت سابق.. وفد سلفاكير قوبل بترحاب حكومي كبير ووجد رئيس الوفد الجنوبي باقان أموم وهو الأكثر تشددا تجاه الخرطوم احنفاء زائدا أثار حفيظة المعارضين لأي تقارب مع جوبا. لاشك أن ما يجري بين الخرطوم وجوبا لا يحتاج لمجرد تحليل أو تفسير بل يحتاج لـ(كونسورتيوم) يجمع أساطين العلوم السياسية لفك طلاسمه.. ليس من سبيل إلا وصف قضية التفاوض والحرب بين البلدين بالعبث.. في الخرطوم انقلبت أجواء الغزل بين ليلة وضحاها إلى حديث غاضب وقرار جمهوري بتشكيل لجنة عليا برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه للتعبئة والاستنفار وربط الأحزمة لمواجهة جوبا التي اعتبرت الخرطوم أن ما صرح به سلفاكير بمثابة إعلان حرب.. خلال (24) ساعة كان وزير النفط السوداني في منطقة هجليج يتجول بين عمال الشركات العاملة وكأن شيئا لم يكن، كاميرات التلفزة نقلت صورا لبعض الآليات العسكرية المحترقة ولكنها بعيدة كل البعد عن المدينة والمنشآت النفطية.. وكالة رويترز نقلت عن مراسلها الذي شارك في جولة نظمتها الحكومة السودانية في حقل نفط هجليج عقب الأحداث مباشرة قوله إنه لم يشاهد أي علامة على اشتباكات لكن الوجود الأمني كان كثيفا وقام جنود وشاحنات خفيفة مزودة بمدافع رشاشة بحراسة المنطقة.. (الزوبعة) التي أثارها سلفاكير وما تبعها من ردود فعل للحكومة السودانية تحكي بأسى الحالة العبثية التي تتربص علاقة البلدين.. فلا هناك احتلال لمدينة هجليج من جانب جوبا ولا هناك من داع لحالة الاستنفار الحربي عالية الدرجة في الخرطوم. المجتمع الدولي كذلك ولشيء في نفس يعقوب خاض مع الخائضين.. الولايات المتحدة توجه سهام الاتهام إلى الخرطوم وتركب موجة اتهامات جوبا للخرطوم بقصف ولاية الوحدة في دولة الجنوب وهي اتهامات من طرف واحد لم تعترف بها الخرطوم مثلما الحال في جوبا حين (تبرع) سلفاكير وأقر باحتلال مدينة هجليج وهو ما لم يحدث.. الاتحاد الإفريقي طالب الطرفين بسحب قواتهما من مناطق التماس متجاهلا ما أعلنه سلفاكير معترفا على نفسه باحتلال أراض دول ذات سيادة عضو في الاتحاد الإفريقي.. الجامعة العربية بالطبع غارقة في الملف السوري رغم أنه اختطف وأصبح ملفا أمميا واكتفت في قمتها الأخيرة ببغداد بالحديث المعمم في بيانها الختامي فيما يتعلق بالسودان رغم حضور الرئيس البشير للقمة في ظل مخاطر حقيقية تحيط بتحركاته خارج بلاده.. مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اكتفى ببيان عبر فيه عن (قلقه العميق) بشأن هذه الاشتباكات العسكرية وحث الطرفين على الاستغلال الكامل للآليات السياسية والأمنية القائمة لمعالجة خلافاتهما بطريقة سلمية. واشنطن تريد وبكل صراحة إسقاط النظام في الخرطوم عبر الضغط الاقتصادي وإخراج الصين من البترول سواء في الجنوب أو الشمال.. جوبا مستعدة وباستمرار لأن تكون رهن إشارة واشنطن ومخلب قط لتحقيق الهدف الأمريكي المعلن.. الخرطوم مرتبكة وليس لديها استراتيجية واضحة للتعامل مع جوبا سلما أو حربا وتتنازعها تيارات داخلية مختلفة بشدة حول طريقة التعامل مع جوبا. رغم توقيع البلدين على اتفاقية عدم اعتداء وأخرى بخصوص الجنسية وثالثة بشأن إعادة ترسيم الحدود فلا توجد مؤشرات تذكر لاستعداد أي منهما لتقديم تنازلات ويستمر مسلسل العبث. وأوقف جنوب السودان إنتاجه من النفط الذي يبلغ 350 ألف برميل يوميا للحيلولة دون مصادرة السودان لأي كميات من الخام مقابل رسوم تقول الخرطوم إنها لم تسدد. ويصدر معظم النفط إلى الصين.