12 سبتمبر 2025
تسجيلقبل يومين طالب أحد قادة المستوطنين وعضو "الكنيست الإسرائيلي" السابق "الياكيم هعتسني" حكومته بالعمل على فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة بصورة نهائية لأن توحيد الفلسطينيين مرة أخرى – من وجهة نظره - سيسبب كارثة لا قبل لـ"إسرائيل" بها.. جاء ذلك في مقال افتتاحي له في صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية وقال: (إن فصل القطاع عن "الضفة" سيمنع طوفانا بشريا يغرق الضفة ويشعل اضطرابات دموية) وأضاف: (إن انقسام الفلسطينيين إلى شطرين متساويين تقريبا - 2.6 مليون في الضفة 2.3 مليون في القطاع - يساعدنا على ألا نخسر وطننا في صالح فلسطين كجملة واحدة حيث ستكون نهايتنا هي تطويقنا من حدود العراق وحتى البحر المتوسط). وطالب هعتسني في مقاله بالبدء في "القتل المركز أو المستهدف" لرجال ما أسماه دولة "الإرهاب الغزية" من الشرطي البسيط وحتى الوزير..) انتهى. وأقول: ما جاء على لسان هذا الصهيوني لا يخرج عن فكرتين متكاملتين ومتوازيتين؛ إحداهما: العمل على إبقاء وتثبيت الانقسام الفلسطيني، والثانية: استهداف قادة وجنود حماس.. الربط بين هذين الأمرين يعني ببساطة أن وجود حماس مناقض للانقسام، وبتدوير المعادلة قليلا: أن بقاء الانقسام مرهون بضرب حماس وإزاحة قادتها الحاليين.. ما يؤكد أن حماس خطر على الانقسام بقدر ما أعداؤها وخصومها روافد ودعائم له وليس أنها تريد الانقسام وتستفيد منه كما يشيع أولئك الخصوم.. وعلى فكرة.. ما يقوله هذا الصهيوني من ضرورة إبقاء الانقسام وربط ذلك بضرب حماس هو ما تغص به صحافة العدو من كتابات وتحليلات واستنتاجات.. وبجمع كل هذا مع ما قاله نتنياهو لعباس من أن عليه الاختيار بين مصالحة حماس أو مصالحة "إسرائيل" يمكن القطع بأن أية مبادرات لإنهاء الانقسام لا يمكن أن تكون جدية وصادقة إلا في حالتين؛ أن يريدها العدو ويقبلها (وفي هذه الحالة علينا أن نبحث عن تموضعات العدو فيها) أو أن يكون من يسعى لها هو بالفعل وعلى الحقيقة لا الادعاء خارج عن الإرادة الصهيونية (وبتحكيم هذه القاعدة المنطقية يمكن الخلاص إلى أن حماس والمقاومة هي الطرف الوحيد القادر على إطلاق مبادرة حقيقية بعيدا عن المراد الصهيوني ولذلك لم نجد العدو يهدد حماس أو المقاومة إن قبلت الصلح في حين هدد فتح والسلطة!).. هنا يأتي الحديث عما تصر منظمة فتح وسلطتها على تسميته "مبادرة الرئيس" التي وافق فيها على دعوة السيد هنية لزيارة غزة وما إذا كانت جدية صادقة وخارجة عن المراد الصهيوني أم أنها مجرد مناورة لا حقيقة لها ولا تعدو أن تكون حملة إعلامية تدغدغ مشاعر الوحدة وتناور حول جملة المتغيرات السياسية الجارية في المنطقة وتجتر الماضي بكل ثقله واستفزازه وعفونته؟ وأقول: لا يمكن إغفال ثلاث ملاحظات على هذه "المبادرة"؛ الملاحظة الأولى: أنها جاءت مثقلة بالاشتراطات ومضادات التقبل التي لا يمكن إحسان الظن بها، الملاحظة الثانية: أن الصيغة التي عبر بها محمود عباس عن هذه "المبادرة" أضفت عليها أجواء السلبية واللاجدية واللا موضوعية، الملاحظة الثالثة: أنها جاءت متزامنة مع حملة مخططة ومدفوعة الأجر لمواجهة حماس في غزة.. ولنعد للتفاصيل: أولا: أما أنها جاءت مثقلة بالاشتراطات.. فقد اشترط عباس فيها: أن يستقبله قادة وأمناء جميع الفصائل (وبالأخص وتحديدا رئيس الوزراء إسماعيل هنية)! واشترط أن يكون الاستقبال لائقا! واشترط أن يكون الاستقبال على الحدود "المعبر" أي ليس في مقر رئاسة الوزراء! واشترط أن يكون هدف الزيارة محصورا في موضوع تشكيل حكومة توافقية تنطلق فورا إلى انتخابات رئاسية وتشريعية.. أربعة اشتراطات كل منها كفيل بإحباط كل أمل في الصلح وإنهاء الانقسام؛ فالاستقبال الجماعي واللائق إنما يعني استقباله كرئيس دولة وفي ذلك ما فيه من الرد على حماس التي تعتبره رئيسا انتهت مدة حكمه، وأن يكون الاستقبال على المعبر وليس في مقر رئاسة الوزراء إنما يعني رفض كل صلة لحماس ولإسماعيل هنية برئاسة الوزراء.. ولن نذهب بعيدا في الظن بأنه أراد تقديم صيد بل أصياد ثمينة للتنسيق الأمني – الدموي – بينه وبين الاحتلال، أما أن يكون اللقاء فقط للاتفاق على حكومة وحدة وطنية والذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية فهو يعلم أن حماس رفضت ذلك باستمرار واعتبرته نوعا من الدعاية السياسية وتسجيل النقاط وهو يعلم أنه لا تزال الكثير من أسباب الانقسام قائمة وفاعلة وبالأخص في الملف الأمني في الضفة والرؤية النهائية للسلطة ومهامها ولعملية التسوية وآمادها وللمقاومة وآفاقها.. هو يعلم أيضا أن الانتخابات من دون التوافق على الحد الأدنى من البرنامج السياسي لن تكون أفضل حالا ولا مآلا من الانتخابات السابقة مهما كانت نتيجتها؛ وهل انقسم الشعب الفلسطيني إلا بعدها وبسببها؟ بالتالي فإن مصداقية وشفافية وجدية هذه المبادرة تكاد تلتقي مع الصفر في أكثر من نقطة تماس. ثانيا: لقد سمعناه يقول لمن حوله "في المركزي" وبالصوت والصورة والكلمة والنقطة "الله وكيلكو ما تشاورت فيها مع أحد" يقصد المبادرة.. والسؤال هنا وبكل براءة ودون أن نتهمه بالكذب والاستعراض: هل هذا يسجل لصالح المبادرة أم ضدها؟ وإلى أي حد يجب على حماس أن تثق في مبادرة هذا ما يقوله صاحبها عنها؟ وأولئك الذين كانوا سبب الانقسام ولا يزالون يدسون ما يعززه وحاولوا دائما ويحاولون إثارة المشكلات والاعتراضات.. السؤال لماذا لم يستشرهم؟ ومن يضمن ألا يخرب هؤلاء أي اتفاق أو حتى برنامج الزيارة ذاتها لغزة؟ ألم يكن جديرا بعباس وصوابا منه أن يستشير - على الأقل - جماعته ومؤيديه ليتقوى بهم عليهم؟ أخيرا: هل الانقسام الفلسطيني تعالجه مواقف الأشخاص والفرديات حتى لو كانت صادقة وجدية؟ هذا هو الذي أضفى على "المبادرة" أجواء السلبية واللاجدية واللا موضوعية.. كما قلنا. ثالثا: المبادرة جاءت في أجواء حملة تثويرية ضد حماس قال عنها نبيل عمر – القيادي الزعلان في فتح: "إن فتح رصدت لها مليون دولار.". والناس يعرفون بالضبط لماذا تأتي هذه الحملة وفي هذا الوقت بالذات حيث تشتعل الثورات العربية وبالذات بعد سقوط نظام حسني مبارك وبعد الذي تكشف من مستور ودادهم وتنازلاتهم للعدو وبعد توقف عملية التسوية وتعديات وتحديات المستوطنين الصهاينة وعمليات التهويد التي صارت تهدد الحال الفلسطيني التفصيلي والشعبي وتمس الحياة اليومية والرأي العام الفلسطيني مباشرة.. كل ذلك بات مهددا للسلطة ويهيئ لانتفاضة شعبية ضدها لن تكون نشازا على الحال العربي ولا خروجا على الموروث الثوري الانتفاضي الفلسطيني.. فجاءت حملتهم نوعا من الهروب وشكلا من الاستغلال السياسي. آخر القول: بعد الذي رآه ولمسه الشعب الفلسطيني من الانقسام وعقابيله يفترض أن تتجرد أية دعوة للمصالحة عن كل أنواع المناورات السياسية والفذلكات غير الموضوعية.. وهو ما - للأسف – لم تراعه ما تسمى "مبادرة الرئيس" التي لم تكن أكثر من استجابة غير جدية ولا صادقة لدعوة السيد هنية بخصوص زيارة غزة.