13 ديسمبر 2025
تسجيلفي زمن كثرت فيه مساحات القيل والقال.. وفي زمن كثر فيه اللغط والتبريرات والمعارك الكلامية.. وفي زمن كثر فيه التفلسف والتشدق بالكلام.. وفي زمن كثر فيه التضليل والتطبيل بالكلام.. وفي زمن كثرت فيه الثرثرة من على منصات التواصل.. وفي زمن كثر فيه الجدال والتلاسن والتناطح والتعارك من على شاشات الفضائيات. والصمت يقول ويتساءل: هل أصبحت غريباً في هذا الزمن؟ وهل هناك أناس يبحثون عني؟ وهل أصبحتُ قيمة منسية ملغية؟ وهل أصبح كثرة الكلام والتنادي به من أبجديات هذا الزمن؟ وهل كل من يدلي دلوه بموضوع يصبح مميزاً وصاحب مكانة ويُشار إليه بالبنان؟ يقول الصمت في زمن الثرثرة: إنه الجوع والنهم في التصدر بالكلام في كل حديث يتداول. وأثنى أحدهم على خلق الصمت فقال: "هو زينة بدون حلية، وهيبة بدون سلطان، وحصن بدون حائط". فمن المشاهد والتأملات الجميلة الموجهة الراقية ما جاء عن معلّم الإنسانية الأخلاق صلى الله عليه وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)). فكم في الصمت من قوة وفوز وحكمة وانتصار وثقة وترفّع وعزة نفس وصبر وتوكل واحتساب وأدب!. وإذا لم نُدرك هذه المعاني والمفاهيم من هذا التوجيه النبوي الهادي الهادف إلى معالي الأمور، فقد ذهب عنا الخير ومباهجه وأفراحه. فكم من صمت أوقف مشكلة!. وكم من صمت أتى بالخير على صاحبه!. وكم من صمت حمى صاحبه من الوقوع في مزالق الغضب!. وكم من صمت أوقف جرحاً قبل أن يكبر!. وكم في الصمت من إمساكٍ عن الشر وسفاسف الكلام!.. فقد ورد في مجمع الأمثال للميداني قولهم (ربَّ كلمة سلبت نعمة) يضرب في اغتنام الصمت، وجاء عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال "تعلموا الصمت كما تعلّمون الكلام، فإنَّ الصمت حلم عظيم، وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شيء لا يعنيك..". ولنا في هذه الحكمة، وهي ضالة المؤمن، يقول بيكون "الصمت هو الذي يغذي الحكمة". وقال لقمان الحكيم لابنه "يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك". وتميز بنشر الخير بصمتك ولا تتباهى بكثرة الثرثرة في مساحات القيل والقال الذي لا قيمة له!. وصدق القائل: رأيتُ الكلام يزينُ الفتى والصمتُ خير لمن قد صمت فكم من حروف تجرُّ الحتوفَ ومن ناطقٍ ودَّ أن لو سكت ومضة "إذا فاتك الأدب فالزم الصمت". في زمن الثرثرة!.