مهنّا العسيري في ذاكرة التراث القطري

كان من أوائل المهتمين والضالعين بدراسة تاريخ وتراث الأجداد سخر وقته لتوثيق الموروث الشعبي ومصطلحاته ومجالاته وكنوزه القديمة صدرت له كتب قيمة في النباتات البرية والطيور والحشرات ودليل النجوم  خالط الكثير من كبار السن من الرعيل الأول لمجتمع الغوص على اللؤلؤ وحياة البادية مهنا العسيري شخصية قطرية وطنية.. اخلصت لتوثيق مصطلحات البيئة القطرية برا وبحرا.. ويكفيه فخرا انه ينتمي لاسرة كريمة تفوقت ابان مجتمع الغوص وتجارة اللؤلؤ حيث ظهر منها العديد من ربابنة الغوص واصحاب العرف بالدروب البحرية واماكن الهيرات « مغاصات اللؤلؤ «.. وهذا يكفي لان يكون احد روافدها في مواصلة طريق البحث عن المجهول في حياة المجتمع القطري القديم فاصبح احد مصادره التي لا يستغنى عنها كل الباحثين في هذه الايام. تعرفت منذ عقود على الباحث والمؤرخ القطري مهنا بن راشد بن محمد العسيري المعاضيد ( 1948 - 2019 ).. الذي فقدته قطر قبل ايام عن عمر ناهز ( 71 ) سنة تقريبا.. حيث جلست معه منذ سنوات طويلة وشاركته عن كثب نفس الهواية في توثيق المصطلحات والمسميات الشعبية القطرية.. حيث كانت هذه الشخصية التي عاشت على هذه الارض الطيبة والمباركة شغوفة بحب الثراث وتدوين كل ما يمت لتاريخ هذا الوطن وبيئة قطر، سواء كانت البرية أو البحرية.. وعلمت منه انه منذ ريعان شبابه وهو يهتم بهذا المضمار ويحرص اشد الحرص على تدوين كل ما يسمعه عنه رغم وجود بعض الصعوبات والتحديات التي واجهها في حياته.. وقد عمل الفقيد الراحل في الحكومة لفترة من الزمن حتى تقاعده عن العمل، حيث اشتغل رئيسا لقسم الشؤون المالية والادارية بوزارة المالية.. كما تزوج ورزق من الابناء: • محمد • وفهد. وله من الاخوة: ناصر • حمد • علي. • والده راشد العسيري. أما بالنسبة لوالد الباحث الفقيد مهنا العسيري.. فهو راشد بن محمد العسيري المعاضيد – رحمه الله - الذي يعد من ابرز الذين عاشوا حياة البحر في قطر ومجتمع الغوص على اللؤلؤ.. وقد عاصر بعض اعلام ورجالات الغوص وتجارة اللؤلؤ الكبار من اسرة العسيري.. ومنهم:  • تاجر اللؤلؤ والربان الشهير شاهين العسيري، الذي لاقى شهرة واسعة على مستوى قطر ومنطقة الخليج وكان يمتلك العديد من السفن • وخليفة العسيري ( صاحب النايلة ) التي عرفت باسمه ( نايلة العسيري ) وهي خريطة لاشهر الهيرات ( مغاصات اللؤلؤ في قطر والخليج ) وتعد اول خريطة لربان قطري. وجالست - شخصيا – الوالد المرحوم راشد بن محمد العسيري ودونت منه الكثير من المعلومات عن الغوص في قطر واسماء السفن وانواعها واشهر ربابنة الغوص وتجار اللؤلؤ.. وذلك قبل اكثر من ( 28 ) سنة تقريبا.. وهو موسوعة لا تفرط حول تاريخ الغوص في قطر والخليج. ◄ وقد أخبرني مهنا العسيري: بان عملية التأريخ والتوثيق لتاريخ وحياة قطر وماضيها عملية مضنية لكنها مطلوبة.. كما ان التوسع في توثيق الحياتين البحرية والبرية مهمة ايضا بسبب ابتعاد الكثير من الباحثين القطريين الحاليين عن هذا الميدان الذي هجره الغالبية منهم وتوجهوا لدراسة مجالات اخرى قد تكون اقل نفعا من دراسة التراث والتاريخ الاجتماعي وحياة اهل قطر التي عاشوها بحلوها ومرها وبخاصة قبل اكتشاف النفط.. حيث كان مجتمع الغوص على اللؤلؤ والحياة في الساحل تمثل للقطريين مصدر رزقهم الرئيسي من خلال البحث عن لقمة العيش لكونه مصدر قوتهم اليومي.. والشيء نفسه يقال عن الحياة في البر والبادية التي كانت شريكة لكل اهل قطر مع الحياة في البحر.. وقد استطاع الفقيد الراحل مهنا العسيري ان يتصدى لعملية توثيق حياة اهل قطر تلك وتوثيق الكثير من المسميات والمصطلحات التي كانت سائدة قبل اكثر من مائة سنة.. سواء كانت الحياة التي سادت في مدينة الدوحة العاصمة او ما جاورها من مدن اخرى او عن الحياة لدى اهل شمال قطر.. فكلها كانت متشابهة في طقوسها واحتفالاتها وموروثها الشعبي ومسمياتها التراثية. ◄ اهتمامه بالتوثيق والتصوير ومن الامور التي قد لا يعرفها الكثير عن المؤرخ الراحل انه كان يمتلك كاميرا خاصة للتصوير يستخدمها في تصوير الطيور والحيوانات والحشرات والنباتات البرية والبحرية التي كانت تنتشر في بيئتنا المحلية.. وكان – رحمه الله – يحرص على ان يقوم بالتصوير بنفسه دون الاستعانة باي شحص كان في مجال التصوير الفوتوغرافي.. هذا من ناحية.. ومن ناحية اخرى كان العسيري يلجأ الى كبار السن من اهل قطر عند تدوينه لاي مادة تراثية او تاريخية تخص البيئة القطرية.. حيث يأخذ المسميات من اصحابها من شيبان قطر " كبار السن " ويدونها كما يسمعها بلفظها في اللهجة الدارجة.. وهذا ما ساعده كثيرا على ان ينقل هذه المعلومات من مصادرها الصحيحة ليورثها للاجيال الحالية كما تنطق وتلفظ في الماضي.. مثل اسماء الحشرات والطيور او مصطلحات النجوم وغيرها.  ◄ مؤلفاته التراثية خلال العقدين الماضيين قام المرحوم مهنا العسيري – بإذن الله تعالى – بجمع مادة تراثية وتاريخية عن البيئة القطرية القديمة ومنها مصطلحات ومسميات النباتات والطيور والحشرات والنجوم والقواقع البحرية على وجه الخصوص.. كما دعم هذه المعلومات ببعض الاشعار الشعبية (النبطية) بجانب الاشعار الفصيحة والحكايات المرتبطة.. واستشهد كذلك ببعض الاحداث التاريخية التي تمت لكل معلومة قام بجمعها من قبل كبار السن.. والتي كان والدي صباح بن سعيد الكواري ابرز مصادرها – كما اخبرني الفقيد العسيري بذلك – ومنها ما يتعلق باسماء النباتات البرية والبحرية والطيور على وجه الخصوص.. ولهذا فقد تكونت لديه مادة ضخمة للغاية ساهم في تجميعها وضمها ضمن مؤلفاته النفيسة التي صدرت له اثناء حياته.. كما جالس الفقيد بعض رجال الرعيل الاول من رجال الغوص من امثال: • والده راشد بن محمد العسيري المعاضيد • سعيد البديد المناعي، الشاعر والطبيب الشعبي والربان المعروف • عبدالعزيز بن خالد الغانم المعاضيد رئيس أول مجلس للشورى في قطر.. وغيرهم الكثير. ◄ ومن أبرز مؤلفات مهنا العسيري: • دليل النبات البري بدولة قطر.. سنة 2004 م  • طيور قطر البرية والبحرية.. سنة 2010 م • الحشرات البرية في دولة قطر.. سنة 2012 م • دليل النجوم في سماء قطر والخليج.. سنة 2007 م  • القواقع البحرية. وما من شك ان هذه المؤلفات اصبحت اليوم نادرة وذات قيمة لانه تم توثيقها بالكلمة والصورة الناطقة من خلال اجتهادات شخصية من قبل مهنا العسيري وحرصه الشديد على تدوينها كما عرفت في داخل المجتمع القطري.. وله الفضل والسبق في اصدار مثل هذه الكتب التي ستصبح من مصادر التاريخ الاجتماعي لدولة قطر قبل وبعد مرحلة اكتشاف النفط قي قطر والفترة التي تليها. ◄ موقف لا ينسى عندما كان الباحث مهنا العسيري يعد لاصدار احد مؤلفاته واظنه " دليل النبات البري في قطر " كان يلتزم بحضوره الشخصي داخل المطبعة ويجلس مع المخرج والمدقق اللغوي ويشارك معهما في وضع اللمسات الاخيرة وكل الملاحظات بنفسه ولا يكاد يغادر المطبعة إلا في وقت متأخر من الليل.. وهذا الحرص الشديد جعل كل مؤلفاته تخرج بصورة أنيقة ومنظمة ودقيقة للغاية بسبب هذا الاهتمام غير المعتاد.. كما انه كان يمتاز بالعمل بصمت عندما يشرع في تأليف احد الكتب البيئية لكي يخرج بالصورة التي تليق به.. وهكذا كان الفقيد الراحل محبا للعلم وللتوثيق والتاريخ دون كلل أو ملل. ◄ مرضه ووفاته اصيب الباحث مهنا بن راشد العسيري قبل سنوات بمرض عضال اقعده في المستشفى واستمر معه هذا المرض لفترة طويلة.. وكنت اتواصل واسأل عن صحته عن طريق الاخ الباحث أحمد بن خليفة العسيري.. حتى توفي ودفن في مقبرة مسيمير بالدوحة يوم الثلاثاء 29 يناير 2019.. عليه رحمة الله.. وقد نعاه بالامس عبر شبكات التواصل الاجتماعي (حساب وفيات قطر) العشرات من اهل قطر وكذلك المقيمون وتحدثوا عن سيرته ومؤلفاته داعين الله عز وجل له بان يتغمده بواسع رحمته ويدخله فسيح جناته. • كلمة أخيرة مهنا العسيري شخصية قطرية وطنية.. اخلصت لتوثيق مصطلحات البيئة القطرية برا وبحرا.. ويكفيه فخرا انه ينتمي لاسرة كريمة تفوقت ابان مجتمع الغوص وتجارة اللؤلؤ حيث ظهر منها العديد من ربابنة الغوص واصحاب العرف بالدروب البحرية واماكن الهيرات " مغاصات اللؤلؤ ".. وهذا يكفي لان يكون احد روافدها في مواصلة طريق البحث عن المجهول في حياة المجتمع القطري القديم فاصبح احد مصادره التي لا يستغنى عنها كل الباحثين في هذه الايام. [email protected]