02 نوفمبر 2025

تسجيل

كسب القلوب في كأس آسيا

31 يناير 2019

في سابقة تاريخية، أقيمت مباراة كرة قدم بين فريقين خليجيين هما قطر والإمارات أمس الأول في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وسط أجواء سياسية مشحونة بالغة التوتر والتعقيد، لتنتهي بشكل دراماتيكي صادم وحزين على الفريق الإماراتي، هلل له وكبّر ملايين العرب، على نحو غريب غير معتاد أو مسبوق في تاريخ العلاقات العربية العربية. قبيل البطولة والأجواء كانت تبدو أنها متجهة أو قابلة للشحن والتوتر، كواحدة من آثار أو توابع أزمة حصار قطر، التي زادت عن 600 يوم منذ أن قطعت ثلاث دول خليجية بمعية مصرية، علاقاتها مع قطر بحجة «دعم الإرهاب» وحجج أخرى كثيرة لا مجال لإعادة تكرارها ها هنا. ولعل من عوامل التوتر والشحن وجود الثلاثي الخليجي في النهائيات، بالإضافة إلى قطر، ما يعني أن ميداناً جديداً سيكون مهيأ لمواجهة أخرى بين دول الحصار وقطر، إضافة إلى ميادين أخرى تمت فيها مواجهات أو ما زالت قائمة! . الأزمة الخليجية ألقت بظلالها على البطولة القارية منذ البداية، حين تمت محاولة عرقلة وتعقيد دخول نائب رئيس الاتحادين القطري والآسيوي لكرة القدم ورئيس اللجنة المنظمة لكأس آسيا 2019 سعود المهندي من دخول أبوظبي، ولكن ضغوط الأسرة الرياضية الآسيوية انهت المحاولة سريعاً قبل أن تتعمق أكثر، مع ملاحظة أن الجماهير القطرية عزفت منذ البداية عن الذهاب للبطولة بسبب حملات الكراهية ضده في الإعلام الإماراتي، بالإضافة إلى تعقيدات الدخول للإمارات، وعدم وجود ما يضمن سلامة وأمن هذا الجمهور في أبوظبي. لكن التوترات والحساسيات بدأت مبكراً في ساحات الإعلام ووسائل التواصل في دول الثلاثي الخليجي، والبدء في حملات الهمز واللمز والغمز من المنتخب القطري المشارك، ومحاولات التأثير على معنوياته، والذي بدوره كان يقدم ما لديه من خطط وجهود ويتقدم من مباراة إلى أخرى بعقلية احترافية، غير عابئ على ما يبدو بما يثار حوله، حتى حان وقت المواجهة مع أولى دول الحصار، وكانت السعودية ووقع ما كان يتمناه كثيرون من العرب وفازت قطر يومها، لكن من حسن الحظ أن المباراة لم تكن مؤثرة على نتائج الفريقين كثيراً، وبالتالي قل التوتر المتوقع بعض الشيء، إلا من بعض تراشقات جرت في الساحات الإعلامية والشعبية، بعد ملاحظة ذلك التأييد الجماهيري العماني التلقائي لقطر!. بدأت الأزمة إذن تلقي بظلالها أكثر فأكثر وبشكل عميق حين خرجت السعودية والبحرين من المسابقة بخفي حنين، فاتجه التحريض المباشر وغير المباشر من إعلام الثلاثي الخليجي للعراق وهو يواجه قطر، على أمل أن يتوقف القطار القطري عند البوابة العراقية، التي دخلتها قطر بهدوء وكسبت الجولة أيضاً. ثم شاءت الأقدار أن يحدث ما كان كثيرون يترقبونه أو يتمنون حدوثه، وهو أن يواجه الفريق الإماراتي نظيره القطري. حيث خدمت النتائج تلك الأمنية، وتم الإعلان عن ميدان أو ملعب المواجهة في العاصمة الإماراتية التي يتداول الحديث في وسائل الإعلام، أنها التي تم وما زال يتم فيها التخطيط لتعميق أزمة حصار قطر، بالإضافة إلى أزمات عربية أخرى ليس المجال ها هنا للخوض فيها. اتضحت وبشكل جلي، صورة العلاقة بين قطر وأبرز دول الحصار وهي الإمارات، عبر الأيام القليلة التي سبقت المباراة، والتي تمثلت في حملات شعبية وإعلامية تدعمها أخرى رسمية، تولت عمليات شحن النفوس ضد المنتخب القطري من جهة، سواء بطرق مشروعة ومقبولة وكانت قليلة، أو تحريضية مسيئة وكانت الغالبة للأسف، مع شحن وتحفيز النفوس الإماراتية لدعم منتخبها من جهة أخرى، ما دفع بكثيرين من العرب وغيرهم إلى ترقب الموقعة، وكأنما معركة حربية أو معركة حياة أو موت ستقع، وليست مباراة كرة قدم تنتهي في ساعة ونصف، يفوز من يفوز ويخسر من يخسر. لكن الجانب الإماراتي أبى إلا أن يحولها فعلاً إلى معركة حياة أو موت!. الأزمة ألقت بظلالها فعلياً هذه المرة على المباراة، فاعتبرها كثيرون ومن الطرفين، مواجهة حازمة حاسمة، وإن جاءت على شكل مباراة كرة قدم. وجاء يوم الثلاثاء الفارط والنفوس القطرية مع كثير من العربية – وتحديداً كل من يتصادم مع توجهات بن سلمان وبن زايد في المنطقة العربية - مشدودة نحو شاشات بي إن سبورت القطرية، الناقل الرسمي للبطولة. فيما كانت النفوس الإماراتية متوزعة ما بين ملعب «محمد بن زايد» وشاشات بي إن سبورت أيضاً. بدأت المباراة وسارت بشكل احترافي من جانب القطريين، الذين استوعبوا ما حدث قبل المباراة من حملات تشويه وشحن وتوتير، والتي صبت كلها في صالحهم. إذ بدا التوتر والضغط النفسي الهائل على منافسهم الإماراتي واضحاً، وكان لابد من التعامل الذكي مع الموقف واستثماره بالشكل الأمثل، فكان ما أراده منتخب قطر في الدقائق الأولى، إلى أن حانت فرصة المباغتة بهدف صادم زاد العبء النفسي على المنافس فحدث الارتباك، وقبل أن يفيق الإماراتي من الصدمة، جاءت الضربة الثانية. ليبدأ الشوط الثاني الذي نزل فيه القطري بثقة أكبر، فيما الإماراتي كان ثقيلاً وشبه فاقد للثقة، وحدثت الدراما المنتظرة والتي تمثلت في نتيجة غير متوقعة وصادمة للإماراتيين، هلل بسببها ملايين العرب وكبروا - دون مبالغة في الوصف - ليس حباً من الغالبية في اللعبة أو جمالياتها، ولكن بغضاً وكراهية لسياسات بن سلمان ومن خلفه بن زايد، وهما شريكان في كثير من أزمات عربية راهنة، لا ينكرها أي متابع موضوعي للأحداث، أو هكذا هو لسان حال الشعوب العربية، والتي لا أشك لحظة أن تلكم السياسات المتهورة من أسباب وقوف كثير من العرب مع قطر في هذه المواجهة، حتى وإن كانت رياضية بحتة، والتي يمكن استخلاص بعض النتائج منها. إذ بالرغم من تلك الأجواء المتوترة، استطاعت قطر من خلالها أن تكسب القلوب أولاً، ولتثبت تلك الأجواء ثانياً بأن الرياضة ليست دوماً قادرة على تجاوز ألاعيب وطيش السياسيين أو مراهقيها، وهذا ما أثبتتها مباراة قطر والإمارات، إن جئنا ننظر إليها من زوايا أخرى غير زاوية التحليل الرياضي فقط. كنا قديماً نسعد لوجود أي فريق عربي ضمن نهائيات كأس آسيا وغيرها من مسابقات دولية، ونحزن لخسارة أي فريق عربي. لكن واحدة من آثار أزمة الخليج الراهنة أن يحدث العكس، ليصل إلى حد أن يتمنى عرب آسيا عدم التوفيق لبعضهم البعض، في مشهد مؤلم ومحزن ما كان لنا أن نعايشه لولا سوء النيات واتباع النزوات وفوضى السياسات، والتي ما ظهرت واستفحلت إلا بعد أزمة حصار قطر، وربما كانت قبل ذلك من خلال دعم الثورات المضادة لحريات الشعوب، بدءاً بانقلاب العسكر في مصر والدعم اللامحدود لهم من السعودية والإمارات، مروراً بإجهاض الثورة السورية وخلط أوراق الثورة الليبية وصولاً إلى كارثة حرب اليمن.. هي ملفات لا يمكن انتزاعها واخفاؤها من واقعنا العربي المعيب المؤلم، حتى وإن تكلمنا في الرياضة، التي صارت وللأسف أحد ميادين مراهقي وجهّال السياسة، يسرحون ويمرحون فيها، وما زادوها هي وشعوبهم غير تخسير. [email protected]