13 سبتمبر 2025
تسجيلأحرص دائما في الكتابة على الموضوعات الساخنة التي تهم أكبر شريحة من المجتمع القطري، مع انتقاء الموضوع الذي يهم أكبر قطاع من قطاعات الدولة لمناقشة الوضع الراهن فيه من خلال الهدف الأساسي، والذي أتمنى أن يتفق في هذه السطور مع خطاب سمو أمير البلاد المفدى قبل أيام، وهو يضع لنا تشكيلته الجديدة للوزراء التي تفاءلنا بها جميعا؛ لأنها تمس المرحلة الحالية التي تتطلب توفير المصروفات قدر الإمكان بسبب انخفاض أسعار النفط مع مواصلة مكافحة الفساد والهدر المالي والإداري قدر المستطاع؛ تحقيقا للصالح العام وبما يواكب مواصلة الاقتصاد القوي لدولة قطر حتى لا نتعرض لأي هزات مستقبلية.ولا أهدف من كتابة هذه السطور إلى قطع الأرزاق أو العمل على إنهاء خدمات الإخوة غير القطريين في جميع مؤسسات الدولة، مثل: مؤسسة حمد الطبية أو مؤسسة قطر أو أية مؤسسة أو هيئة أو وزارة أو جامعة وطنية، بل نحتاج في مثل هذه الأيام إلى وقفة صائبة وصادقة تقوم على العمل المخلص والرأي السديد والقرار الواضح والمستنير، بما يحفظ لنا ثروتنا الاقتصادية ولا يبذرها؛ حتى لا يعرضها إلى أية صعوبات وكوارث نحن في غنى عنها، إذا لم نحسن اتخاذ القرار والتكاتف في مثل هذه الأزمات الطارئة. ** نحتاج حسن التخطيط ومنع الازدواجية: والتخطيط للأزمات من الأمور المهمة التي لا يجب أن تغيب عن أصحاب القرار، ومطلوب من "مجلس الشورى" و"مجلس الوزراء" و " الوزراء" جميعا العمل على تحقيق توجهات نصائح سمو أمير البلاد المفدى، تماشيا مع ظروف التقشف التي نعيشها هذه الأيام دون تردد في اتخاذ القرار، والتمسك بتوجيهات سموه وما طلبه من الوزراء الجدد لمسايرة هذه المرحلة. والهدف الأول والأساسي للتخطيط دائما ما يقوم على "الإيضاح" ما يتطلب فعله يوميا وعلى مدى فترة زمنية تكون طويلة الأجل، لكي تعين الأشخاص على أنفسهم، هذا من جهة، ومن جهة ثانية ومتابعة التنفيذ بعد ذلك لخدمة المؤسسة بخطى سليمة، بالرغم من أن هناك مقولة مفادها: "إن الوقت المستغرق في التخطيط لا يحقق كثيراً من الفوائد". وبعد "درجة الوضوح" تأتي العوامل الأخرى الأساسية في عملية التخطيط وهي: القناعة بالهدف، والواقعية في الهدف من خلال الوصول إليه دون استحالة من خلال توفر الإمكانيات المادية والبشرية، ثم عامل التناسق والانسجام، ومن بعد ذلك عامل مشروعية الهدف عبر الأنظمة واللوائح والسياسات الحكومية المعمول بها، وأخيرا يأتي عامل القابلية للقياس عبر ثلاثة مقاييس هي: مقياس نوعي ومقياس كمي ومقياس زمني يحدد الفترة الزمنية التي يتم تحديدها لفترة العمل المطلوب.** التعايش مع الأزمة المالية: بالفعل نحن نعيش اليوم كما تعيش جميع دول الخليج المجاورة أزمة يجب التعامل معها بكل شفافية للتغلب عليها، وقد بدأت بوادرها تظهر أمامنا بعد انخفاض برميل النفط ووصوله إلى أدنى مستوياته، فالوضع الاقتصادي يختلف عندما كان سعر البرميل 120 دولارا عن سعر 30 دولارا أو أقل من ذلك. والسؤال المطروح هو: كيف نتغلب على هذه الأزمة بالأدوات العلمية الإدارية المتشعبة وتجنب هزاتها، ويعرف أحدهم الأزمة بأن: إدارة الأزمات يجب أن تنطلق من إدارة الأزمة القائمة ذاتها وتتحرك في إطار الاستراتيجية العامة المرسومة للدولة. ويقول آخر بأنها: سلسلة الإجراءات الهادفة إلى السيطرة على الأزمات، والحد من تفاقمها حتى لا ينفلت زمامها مؤدية بذلك إلى نشوب الحرب، وبذلك تكون الإدارة الرشيدة للأزمة هي تلك التي تضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة وحمايتها. ويرجع الكثير من الاختصاصيين والمحللين إلى أن حدوث أي أزمة تكمن في عدة عوامل منها: سوء التخطيط - وعدم الاهتمام بالتوقع - وانخفاض فعالية المواجهة - وعدم التحرك في تفعيل استراتيجية الدولة ورؤية قطر الوطنية 2030 - وهدر المال العام والتبذير بشكل غير مدروس - والترهل الوظيفي - والتوسع في المشاريع وتكاليفها الباهظة دون دراسة - وعدم وضع البدائل والاحتمالات المختلفة للمستقبل .. وغيرها من العوامل الأخرى.** الوافدون شركاء في التنمية: يبدو أن التوجه قد بدأ في هذه الأيام بالعمل على إيقاف توظيف غير القطريين قدر المستطاع، والاقتصار على توظيف أبناء البلد فقط تماشيا مع المصلحة العامة وتفاديا للأزمة المالية التي نعيشها، وهذا يتطلب أيضا حسن الاختيار عند التوظيف أو عند إنهاء خدمات الموظفين الوافدين، وهذا الشيء يجب أن يسايره عدم التوظيف برواتب عالية وخيالية كما هو متبع في بعض مؤسسات وهيئات الدولة مثل: مؤسسة حمد الطبية، ومؤسسة قطر، ومؤسسة البترول، وبروة، وهيئة أشغال، وجامعاتنا الوطنية، والهيئات والمؤسسات شبه الحكومية، وكذلك الخاصة منها التي لا تلتزم بتقطير الوظائف وتقتصرها على غير المواطنين بأعداد كبيرة في ظل غياب الرقابة الإدارية والمالية عليها. وفي مؤسسة حمد الطبية تم إنهاء خدمات المئات من الموظفين الوافدين مؤخرا، وقد علق الكثير على هذا القرار بأنه شمل صغار الموظفين ولم يشمل أصحاب الرواتب العالية والخيالية، ومنهم من علق قائلا على تويتر (المغرد الدكتور إبراهيم الجابر): هناك تخبط في مؤسسة حمد الطبية، حيث فنشوا (18) موظف علاج طبيعي، بمجموع (180) ألف ريال، بينما راتب السكرتارية الواحدة يساوي (120) ألف ريال؛ لأنهم مقربون من المدير البريطاني!. وبعضهم يعلق قائلا: إن هؤلاء بلغوا سن التقاعد وتجاوزوا سن الستين وما زالوا على رأس عملهم، رغم أعدادهم الفائضة التي لا نحتاج إليها!. وهذا لا يمنع أن نقول: "نعم للوافد" الذي يطور ويدرب الكوادر القطرية ويسهم في بناء الوطن لأنه شريك أساسي في عمليتي البناء والتنمية، ومتى اكتشف السلبيات قام بتصحيحها لمنع تكرار الأخطاء، كما أن الموظف المواطن مطالب بالاستفادة منه ليحل مكانه في المستقبل، وهذه هي سنة الحياة. ولكن بشرط تحديد العدد المطلوب من الوافدين والأجانب للاستفادة منهم دون توظيفهم بشكل فوضوي، وهو ما لا نتمناه؛ لأنه يسهم في زيادة الأعباء على ميزانية الدولة وبنيتها التحتية.** الأولوية لتوظيف أبناء المقيمين:وهي مسألة في غاية الأهمية، فالأولوية لتوظيف أبناء المقيمين الذين يعيشون على أرض قطر، بدلا من جلب الموظفين من الخارج الذين تكون سلبياتهم أكثر بكثير من توظيف أبناء المقيمين، فنحن نحتاج إلى الموظف المواطن وغير المواطن في نفس الوقت، ولكن المسألة تحتاج إلى التقنين وعدم فتح الباب للوافدين من الخارج على مصراعيه بدون دراسة أو دراية بما تسببه هذه الفوضى في التوظيف وانعكاساتها السلبية "المال العام" والترهل الوظيفي الذي لا يخدم التنمية والاقتصاد القطري كما جاء على لسان سمو الأمير في خطابه السابق والواضح حفاظا على المال العام وعدم هدره من جهة، ومكافحة الفساد وفرض الرقابة المالية والإدارية في الدولة من جهة أخرى.** "قطر للبترول" نموذج مميز في ترشيد الوظائف وخلال العام الماضي 2015 م قامت مؤسسة البترول بتخفيض وظائف الأجانب وتقليص عددهم بما يساير الاستراتيجية الوطنية المطلوبة في إعادة الهيكلة الجديدة للمؤسسة بعد تسريح الآلاف من العمالة الفائضة التي لا تحتاجها المؤسسة، هذا وتتم نشاطات وعمليات قطر للبترول في المناطق البرية التي تشمل الدوحة ومسيعيد ودخان وراس لفان، والمناطق البحرية التي تشمل جزيرة حالول ومحطات الإنتاج البحرية ومنصات أجهزة الحفر القائمة وحقل غاز الشمال. ** كلمة أخيرة: رغم الأزمة المالية المهيمنة هذه الأيام على الشارع القطري فإنه مطلوب السير قدما في مواصلة مشاريعنا الاقتصادية والتنموية، وهذا ما أكد عليه سمو الأمير المفدى يوم أمس لبناء قطر الغد.