18 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا وتأثيرات الانتخابات اليونانية

31 يناير 2015

اكتفى رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان بالقول إنه يريد تطوير العلاقات مع اليونان، وذلك تعليقا على فوز حزب سيريزا اليساري بزعامة ألكسيس تشيبراس الشاب الذي يبلغ من العمر أربعين عاما. أما رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو فقد أرسل برقية تهنئة لرئيس الحكومة اليونانية المقبل التزاما باللياقات البروتوكولية. تتأثر تركيا بما يجري في اليونان فهي أولا دولة جارة جغرافيا، وثانيا دولة لها مشكلات معها ذات سمات جغرافية وتاريخية ودينية.. وليس أبلغ من هذه العلاقات المعقدة والحساسة من كون اليونان تعتبر في مدارسها أن هناك أراضي يونانية لا تزال محتلة في تركيا منذ أيام البيزنطيين.لم تكن العلاقات يوما جيدة بين البلدين. كان الماضي يلقي بثقله السلبي على إمكانية تطوير العلاقات.ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 انتهجت حكومة أردوغان في السنوات الأولى من حكمها سياسات جديدة تجاه مختلف القضايا العالقة مع اليونان. وفي رأس هذه المتغيرات قبول تركيا بالحل في قبرص وفقا لخطة الأمين العام للأمم المتحدة حينها كوفي أنان، وحصل استفتاء في الجزيرة المقسمة على أساس الخطة فوافق عليها القبارصة الأتراك وعارضها القبارصة اليونانيون، وكانت هذه مفاجأة عطلت حل المشكلة القبرصية لكنها أخرجت الطرف التركي من الصورة المرسومة عنه في أوروبا بأنه هو الذي يعطل الحل، وهذا كان انتصارا للدبلوماسية التركية.ومع أن العلاقات ذهبت بعيدا في التحسن والتطوير مع التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية خصوصا، غير أنها لم تحرز تقدما في القضايا الأساسية العالقة ومنها قبرص والخلاف على المجال الجوي والجرف القاري والمياه الإقليمية فضلا عن مطالب تحسين واقع المسيحيين في تركيا أو المسلمين في اليونان.لم يكن هناك الكثير من الفوارق بين الحكومات المتعاقبة في اليونان في النظرة إلى تركيا والعكس أيضاً صحيح، إذ إن النظرة التركية إلى اليونان لم تختلف كثيرا بين الحكومات العلمانية أو الإسلامية أو العسكرية.ولقد كانت مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والعراقيل التي تواجهها تركيا من أبرز مجالات "المبارزة" بين تركيا واليونان، حيث كانت اليونان أبرز المعرقلين لمسيرة تركيا الأوروبية. غير أن الأزمة الاقتصادية التي مرت بها أوروبا ولاسيَّما اليونان في السنوات القليلة الماضية، منحت تركيا النامية في اقتصادها شعورا بالثقة في النفس وفي أن تكون قوية بمعزل عن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.اليوم يأتي التحدي لتركيا من باب آخر ومختلف. تشيبراس الفائز في الانتخابات النيابية وزعيم اليونان الجديد شخصية يسارية وحزبه، سيريزا، على علاقة عضوية مع الأحزاب الاشتراكية واليسارية في العالم. من هذه الأحزاب حزب الشعوب الديمقراطية الكردي في تركيا برئاسة صلاح الدين ديميرطاش، والمؤيد لحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجالان. أي يمكن القول إن تشيبراس هو ديميرطاش اليونان أو أن ديميرطاش هو تشيبراس تركيا. كما أن لحزب سيريزا علاقات متينة مع حزب الحرية والتضامن التركي اليساري. وكان لهؤلاء ممثلون لهم في اليونان أثناء الانتخابات.والأهم من كل هذا أن حزب سيريزا نفسه كان قد نظم حملة دفاع عن مدينة عين العرب((كوباني)) وقام وفد من الحزب بالذهاب إلى الحدود مع كوباني من الجانب التركي عند مدينة سوروتش المقابلة لكوباني.ما قد يكون له اليوم من تأثير لفوز سيريزا اليساري أن يعطي جرعة دعم للأحزاب اليسارية في تركيا وفي مقدمتها حزب الشعوب الديمقراطية الكردي. والإشارة إلى الحزب الكردي مهمة جدا لأن هذا الحزب قرر أن يخوض الانتخابات النيابية في يونيو المقبل على أساس حزبي، وبالتالي يجب أن ينال عشرة في المئة على مستوى تركيا لكي يستطيع الدخول إلى البرلمان. وهو بحاجة إلى كل صوت أو نقطة إضافية تساعده على بلوغ العشرة في المئة، وهو الذي ينال إجمالا تقديرات تقارب السبعة في المئة، فيما كاد رئيسه ديميرطاش أن يصل عتبة العشرة في المئة في انتخابات رئاسة الجمهورية.والمهم هنا أن فوز الحزب الكردي إن حصل، سيحرم حزب العدالة والتنمية من حوالي 30-40 نائبا.من هنا فإن تركيا معنية مباشرة بما يحصل في اليونان هذا إذا استثنينا الجوانب الأخرى للعلاقات الثنائية.