29 أكتوبر 2025

تسجيل

الإعلام العربي وتغطية الإرهاب.. التسطيح وغياب المهنية

31 يناير 2015

يعتبر الإرهاب ظاهرة العصر التي يعاني منها الفرد والمجتمع والدولة، ورغم أن الظاهرة قديمة قدم البشرية وعرفتها الإنسانية منذ العصور الغابرة، إلا أنها في العقود الأخيرة انتشرت بسرعة فائقة جدا وأصبحت أداة من أدوات الممارسة السياسية ووسيلة تستعمل لطرح القضايا والمطالبة بالحقوق والوصول إلى الرأي العام المحلي والدولي، كما أصبحت بامتياز وسيلة لإدراك الرأي العام والتأثير في صناعة القرار. ما هي العلاقة يا ترى بين وسائل الإعلام والإرهاب وكيف تتصرف المؤسسات الإعلامية والقائمون عليها مع ظاهرة معقدة لها انعكاسات وتداعيات عديدة وخطيرة على مختلف الأصعدة وفي شتى المجالات؟. إن التغطية الإعلامية التي تحظى بها الأحداث الإرهابية والمقابلات التي تجريها القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية والصحف والمجلات مع رؤساء وقادة ومسؤولي الجماعات الإرهابية تقدم خدمة جليلة لهم تتمثل بالاعتراف بهم وبمطالبهم، إذ يصبحون في مرتبة السياسيين وصناع القرار وصناع الأخبار في أوساط الجمهور والرأي العام. وتصبح لديهم علنية وحضور إعلامي وحضور في أذهان وأفكار الناس وفي الرأي العام. وهذا ما يعني أنه ومن خلال تغطيتها للأحداث الإرهابية بطريقة تتسم بالإثارة والإطناب والتضخيم والتهويل تقدم وسائل الإعلام الإرهابيين ومطالبهم للرأي العام، ما يعني الاعتراف بهم وبقضيتهم وأطروحاتهم. فبالوصول إلى وسائل الإعلام وإلى الرأي العام لا يختلف الإرهابي عن رئيس الحزب السياسي أو الوزير أو العضو في البرلمان، حيث إنه يدخل في اتصال مباشر مع الجمهور، وبدون أدنى شك، سيجد هناك بين الملايين من يتعاطف معه أو من يشاطره الرأي، خاصة من بين أولئك المهمشين والمحرومين والفاشلين في حياتهم. يمكن تحديد أبرز سمات المعالجة الإعلامية العربية للظاهرة الإرهابية وللعمليات الإرهابية فيما يلي: لا يتوفر لدى معظم وسائل الإعلام العربية كادر إعلامي مؤهل ومتخصص في التعاطي مع قضايا التطرف والإرهاب قادر ومتمكن على تقديم معالجة إعلامية مناسبة لهذه الظاهرة المعقدة والمتشابكة ومتعددة الأبعاد. كما لا تعتمد وسائل الإعلام العربية، في غالب الأحيان على الخبراء والمختصين في المجالات الأمنية والاجتماعية والنفسية والثقافية والدينية والتربوية لمعالجة الجوانب المختلفة للظاهرة الإرهابية، من جهة أخرى، يغلب على التغطية الإعلامية العربية للظاهرة الإرهابية الطابع الرسمي والاعتماد، في الغالب، بشكل مطلق على مصدر واحد، وهو المصدر الرسمي، وهذا ما يضفي عليها طابعاً بالغ الرسمية، وربما الجمود، لا يتوافق مع ديناميكية الإعلام وسرعته. تتميز التغطية التي يقدمها الإعلام العربي للظاهرة الإرهابية كذلك بعدم الانتظام وعدم الاستمرارية، وتكون مناسبتية تزداد كثافة أثناء العمليات والأحداث، ثم تتلاشى (حادثة شارلي إيبدو و11 سبتمبر 2011). لا تقوم التغطية الإعلامية العربية للظاهرة الإرهابية، في الكثير من الأحيان، على منهجية وإستراتيجية واضحة المعالم من قبل المؤسسة الإعلامية ومن قبل الصحفي نفسه وهذا ما يجعل التغطية تتميز بالعفوية والارتجال وعدم التخطيط، الأمر الذي يجعلها تغطية تفتقر إلى الإطار المرجعي الذي يحقق لها تماسكها المنهجي. كما تفتقر الممارسة الإعلامية العربية إلى وجود أي قدر من التعاون والتنسيق على مستوى عربي من أجل تقديم تغطية ذات طابع عربي عام ومشترك لهذه الظاهرة. تتعامل وسائل الإعلام العربية في معظم الأحيان مع الظاهرة الإرهابية باعتبارها حدثا منعزلا، وليس كعملية لها سياقها وإطارها ومحدداتها، تنمو وتتطور وتنتشر في بيئة لها خصائصها ومميزاتها ولها إطارها الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي والثقافي.. وهنا نلاحظ أن وسائل الإعلام تعالج الحدث الإرهابي كحدث وليس كظاهرة، حيث يعطي الإعلام العربي اهتماماً للعمليات الإرهابية أكثر من الاهتمام الذي يعطيه للإرهاب كظاهرة لها أسبابها وسياقها وانعكاساتها. وهنا نلاحظ كذلك هيمنة الطابع الإخباري على التغطية الإعلامية العربية للعمليات الإرهابية، وتقديم تغطية عاجلة وسريعة، وسطحية، تهتم أساساً بتقديم جواب عن سؤال: ماذا حدث؟ وتتجاهل الأسئلة المحورية كلماذا؟ وما هي الخلفية والأبعاد وما هو الإطار المحلي والإقليمي والدولي...إلخ. في معظم الأحيان نلاحظ غياب التغطية الإعلامية ذات الطابع التفسيري والتحليلي، كما تغيب التغطية ذات الطابع الاستقصائي، الأمر الذي يؤدي إلى بقاء المعالجة الإعلامية سطحية ولا تتميز بالتحليل والتفسير والاستقصاء والاهتمام بمعالجة جذور الظاهرة الإرهابية وأسبابها العميقة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعرقية...إلخ، وهذا ما يجعل الظاهرة تبدو وكأنها مجردة ومطلقة، وتقع خارج حدود الزمان والمكان والمجتمع، وهذا ما يجعل التغطية الإعلامية بعيدة عن الحرفية والمهنية. ما هي الحلول والإجراءات اللازمة لتجاوز هذه الأخطاء والتعامل بمهنية وحرفية مع الإرهاب؟ من أهم الطرق والسبل التي يجب اعتمادها ما يلي: تدريب العاملين بوسائل الإعلام، خاصة مقدمي البرامج التلفزيونية والقائمين على إعدادها، على التعامل مع القضايا المتعلقة بالإرهاب والأمن القومي، ضرورة الرجوع إلى مصادر موثوق فيها قبل نشر أي أخبار تتعلق بالإرهاب، الاعتماد على القصص الإنسانية لجذب التعاطف الواسع من المواطنين مع أجهزة الدولة في مواجهة الإرهاب. وكذلك الاعتماد على تقديم رسالة إعلامية مضمونها الأمل في المستقبل وحتمية الانتصار على الإرهابيين لرفع الروح المعنوية للمواطنين وتنسيق السياسات الإعلامية بين وسائل الإعلام المختلفة فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة بالإرهاب والأمن القومي وكذلك عدم تقديم تحليلات أو آراء تخدم الإرهابيين بذريعة الحياد أو حرية التعبير، فلا حياد في مواجهة الإرهاب والتخريب وعدم التعامل مع الأحداث الإرهابية على أنها قصة خبرية أو سبق إعلامي، ولكن يتم التعامل معها على أنها عدوان على أمن واستقرار الدولة والمواطن والابتعاد عن التهويل والتضخيم والبحث عن السبق الصحفي وزيادة المبيعات والكسب. كما ينبغي على المؤسسات الإعلامية ضرورة التركيز على ما تسببه الأعمال الإرهابية من أضرار فادحة للدولة والمواطنين. والعمل على إبراز الأضرار المباشرة التي يتكبدها المواطنون جراء أعمال العنف والإرهاب، بحيث تصبح قضية القضاء على الإرهاب قضية شخصية لكل مواطن وقضية المجتمع بكامله. وهنا يجب الابتعاد عن القيم والأجندة والتأطير الذي تستعمله وسائل الإعلام الغربية في معالجتها للإرهاب. الإعلام العربي بحاجة إلى مقاربة ومنهجية من شأنها أن تساهم في محاربة الإرهاب بدلا من بث الخوف والرعب في نفوس المواطنين، كما أنه يجب أن يعمل على محاربة الإرهاب، فكريا وذهنيا وعقائديا. وتجنب التهويل والتضخيم والبحث عن الإثارة والسبق الصحفي والكسب السريع.