12 سبتمبر 2025
تسجيلالمولد النبوي الشريف مرت مناسبته يوم الخميس الماضي 12 / ربيع الأول ولكن الكثيرين منا إما يتجاهلون المناسبة خشية أن يقعوا فيما يرونه بدعة الاحتفال بالمولد أو يكتفون من كل المناسبة باحتفال لساعة ويظنها غاية الحق الذي عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاهلا أو متجاهلا أن المولد النبوي كمعنى لا كحدث يتجاوز ويجب أن يتجاوز الزمان والمكان والمناسبة.. هذا التجاهل وتلك الاحتفالات تناسب تماما ما صرنا في الأعم الأغلب نعاني منه ؛ العطالة والبطالة والشكلية الدينية.. وأقوله وأنا أرى قنوات الساقط حسني وبلطجيته التي تحاول ليل نهار جر البلاد والعباد إلى فتنة سياسية ومذهبية وتتفنن في اصطناع الإشاعات والأكاذيب غير عابئة بمصير مصر ومكانتها واقتصادها وأمنها.. أقوله أيضا عندما أرى بعض الكتاب والنخب الذين لم نعرفهم إلا معادين لفكر الإسلام ومنهجه ودائما وصفوا شريعة الله بكل سوء وتقص.. أراهم يتسابقون إلى الاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف، ويحاولون بساعة احتفالية واحدة أن يسرقوا ضمير الدهماء والبسطاء من الناس والغوغاء فيما هم طوال العام أعداء لله تعالى ورسوله الله صلى الله عليه وسلم ومنهجه وقداسته على الحقيقة!! ". هذا الذي الاحتفاء بهذه الطريقة النفاقية تجعله فوق أنه بدعة في نظر جمهور العلماء وفوق أنه تزهيد في المناسبة هو أيضا نوع من العدوان على رسول الله صلى ألله عليه وسلم.. وقد سبقهم إليه أبوهم الروحي والتاريخي " عبد الله بن سلول زعيم المنافقين " الذي كان والمنافقون معه يأتون عند النبي صلى الله عليه وسلم ويبادرونه بالقول (نشهد إنك لرسول الله) فرد الله تعالى نفاقهم بقوله (والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) ثم حذره منهم بقوله (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون).. وإذن فالمسألة ليست أن يقول البعض ساعة من المدائح النبوية وكثير من السياسة المنحرفة والموجهة ثم يعيش سنة قبل ذلك وأخرى بعدها على أسوأ طوية وأخبث نية! مشكلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أنه فوق كونه صار بابا للغدر بالإسلام وتكئة لنفاق منافقين يجب أن تظل الأمة حاذرة منهم ؛ أن بعض الجهلة الذين ربما لا تنقصهم النية الحسنة بقدر ما ينقصهم العلم الحقيقي والرشاد الصافي يخلطونه بأقوال من الشرك وأفعال من الرقص والهز المسف والإسراف المذموم في الطعام والشراب المبالغ بما ينزع عن المناسبة طهارتها وعن صاحب المناسبة وقاره وطهارته وتوقيره.. بعضهم لم يلفته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولده وحقه وعظمته إلا حمرة وجنتيه، ودقة مسربته (أي شعرات صدره)، وشثن كفيه (أي ضخامتهما)، وبلج (أي بياض) جبينه، ودعج عينيه (سوادهما في سعة).. فيتغنون ويترنمون بل يتغزلون بذلك تغن أقرب للمجون والسفه منه إلى المديح والتوقير والتعزير.. وبعضهم يرددون أشعارا لا يجوز أن نختلف في رده ورفضه وبدعيته وهو إلى الكفر والشرك أقرب منه للإسلام والإيمان.. كقصيدة " البردة " لمحمد البوصيري التي صارت تلاوتها جزءا لا يتجزأ من احتفالاتهم.. وفيها قوله مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم " أي إن حل بالبوصيري حادث عمم ومصيبة جلل فإنه – حسب قوله – لا يجد أحدا يدعوه أو يلوذ أو يستجير به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم!! والسؤال فأين الله تعالى في ذهن البوصيري؟ والله تعالى يقول سورة البقرة - 186 - (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ، وفي بردة البوصيري أيضا قوله " ومن علومك علم اللوح والقلم " أي أن النبي صلى الله عليه وسلم في نظر البوصيري وعقيدته يعلم كل ما في اللوح المحفوظ وكل ما قدره الله تعالى من الأزل إلى الأبد.. أليس هذا افتراء على عقيدة قررها القرآن الكريم وحسمها بعشرات الآيات مثل قوله تعالى في سورة الأنعام الآية 50 (قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إلى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ).. هؤلاء نسألهم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن ما اتهمت به أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما من الفاحشة هو محض افتراء وكذب؟ فإن قالوا لا فقد انتهت حجتهم وإن قالوا نعم فقد اتهموه صلى الله عليه وسلم بأنه قصر في نصرة زوجته ورضي بظلمها وسمح ببلبلة الرأي العام شهرا كاملا – وحاشاه –! أليس من أبسط معاني الشرف الإنساني والخلق السوي - فضلا عن أن يكون الخلق النبوي - أن يدافع عن زوجته وهو يعلم أنها مظلومة.. هذا – بالطبع - لو كان يعلم براءتها؟ مثل ذلك يقال عن أحداث كثيرة لو كان يعلمها مسبقا لم يكن فعله فيها مبررا ولا مقبولا.. فهل كان يوم بدر يعلم أن منزل الجيش قبل مشورة الحباب بن المنذر ليس الأفضل؟ فلم فعلها إذن؟ وفي يوم أحد هل كان يعلم أن الذين على جبل الرماة سينزلون عنه ويتسببون في هزيمة إخوانهم؟ وإن كان يعلم فلم تركهم يفعلون؟ وفي أحد أيضا هل كان يعلم بأمر الحفرة التي كان حفرها مكيدة الفاسق أبو عامر الراهب؟ ولماذا سقط فيها؟ وهل وهل وهل.. أحداث كثيرة لو كان يعلم الغيب ما عملها ؛ ولو عملها لكان – حاشاه - خائنا لجماعته وصحابته بل لنفسه.. العجيب أنه في حين يشرك مسلمون عندما يمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدنا من غير المسلمين من يحسن فيما أساؤوا فيه.. من هؤلاء " عبد الله بوركي " صاحب ورئيس مجلة الصفاء السورية نصراني الذي يقول في مدحه صلى الله عليه وسلم: "إني مسيحي أجلّ محمدا، وأراه في سفر العلا عنوانا، وأطأطئ الرأس الرفيع لذكر من صاغ الحديث وعلم القرآنا، إني أباهي بالنبي لأنه صقل النفوس وهذب الوجدانا " ومنهم " غاندي " زعيم الهندوس الذي قال وأحسن فيما قال " ليدرس الهندوس الإسلام كما درسته، فسيحترمونه كما أحترمه، ولقد أصبحت مقتنعا أن الإسلام لم يأخذ مكانته في الوجود بحد السيف، بل أخذها بالبساطة وإنكار الذات والشجاعة التي اتصف بها النبي محمد " ومنهم " برنارد شو " الفيلسوف والكاتب المعروف الذي يقول " إني أعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم أجمع لتم له النجاح في حكمه ولقاده إلى الخير، ولحل مشاكله على وجه يكفل للعالم السلام والسعادة المنشودة.. ".. آخر القول: من هان عليه في سبيل منافعه الذاتية أن يتحالف مع السراق والفلول والساقطين، وهان عليه كل مقدس ديني ووطني.. لا يمكن أن يكون محبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مهما ادعى ذلك أو توهمه، فحبه صلى الله عليه وسلم يجب أن يتجاوز المشاعر إلى الشعائر، ويتجاوز الدعاوى إلى البينات، ويتجاوز التغني المسف في مظهره إلى اتباع سنته واستلهام سيرته والقبول بل الدفاع عن شريعته (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم) وأزعم لو أننا أخذنا في كل شهر خلقا واحدا من أخلاقه صلى الله عليه وسلم لنجعله شعارا لشهرنا وبرنامجا في بيوتنا وسلوكا في وظائفنا وحديثا في مجالسنا.. لصار أحدنا في سنة واحدة قرآنا يمشي على الأرض.. ولكن يبدو أننا – وللأسف - كلاميون فقط..