15 سبتمبر 2025
تسجيلقال القرطاس للقلم لولاي لما حفل بك الناس! فقال القلم: لولاي لما كان لوجودك معنى! كذلك الحاكم مع شعبه.. إنها حكمة أفادنا بها الداعية الكبير المجدد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في جملة حكم عديدة خصصها لمعالجة الحكام والشعوب والسياسة الصالحة أو الطالحة في كتابه النفيس "هكذا علمتني الحياة"، أجل فإن ألسنة الخلق أقلام الحق، وإن الجماهير في كل زمان ومكان هي تراجم حكامها فكما يكونون تكون، وقد قالوا: الناس على دين ملوكها، بمعنى أن الجميع يدورون في هذا الفلك صلاحا أو فسادا وكم شقيت رعية بشقاء راعيها وسعدت أخرى بطهارة هذا الراعي، وإذا أردنا أن نطوف قليلا ونحن نرى الكم الهائل من المفارقات بين الحاكم والمحكوم في وقتنا هذا بالذات والذي بدت مظاهره أخيرا في الانتفاضة الشعبية التونسية العارمة التي أراد الشعب فيها الحياة وما نحسه اليوم بالثورة الكبرى التي هبت عاصفتها في مصر كاسرة كأختها التونسية حاجز الخوف ناهضة بشبابها المتوثب بدمه المتدفق لدحر الطغيان والطغاة إذا تأملنا ذلك بوعي واتعاظ رأينا كيف يتأخر أو لا يكون على وجه الحقيقة فهم المستبدين والفراعنة لطبائع النفوس والحقائق والأشياء لأنهم غائبون عن السنن الإلهية وعبر التاريخ، فمثلاً بينما رأينا ابن علي في تونس بعد ثلاثة وعشرين عاما يخاطب شعبه بأنه الآن قد فهمهم وأخذ يعد بإعادة الديمقراطية والحقوق إليهم، ولكن بعد أن فات الأوان لكثرة ما جرب القوم عليه من الكذب والظلم والحقد، فكذلك رأينا حسني مبارك يطل بعد صمت مريب أو انتظار لأسياده حتى يسمحوا له بالكلام فيتشدق بكلام مكرر لا طائل تحته، مدعيا أنه صانع الديمقراطية والحرية وأنه لولاها لما استطاع المتظاهرون أن يقفوا في الساحة محتجين عند كل مدينة بدءاً بالقاهرة وهنا نعود مع شيخنا السباعي لنؤكد أن هؤلاء الطغاة لا يخرجون عن طبيعتهم في كل وطن وزمن لأنهم حين يدعون ينسون أو يتناسون مظالمهم للناس وكبت أنفاسهم ومنعهم حتى من التواصل فيما بينهم بتاتا وتسليط أوحش القوات القمعية لقتلهم وجرحهم يقول رحمه الله: إن من أكبر الخرافات التي يروجها الزعماء في عصرنا أن يسموا الديكتاتورية ديمقراطية وينادوا بالحرية من أجل أن يئدوها، وقد سبق أن أشرنا من قبل كيف أكد المفكر جان جاك روسو أن الديمقراطية السلبية هي التي يقتل الحكام خصومهم باسمها ويؤكد السباعي أن الديكتاتورية هي أبشع أنواع الردة في عصر الذرة هذا إلى عصر الاسترقاق الجماعي في العصر الحجري وهكذا فالشعارات الكاذبة إنما هي مطية الطغاة من الحكام، وهي لافتات أحزابهم الضيقة الرخيصة التي تدني وتقرب التحوت الأسافل اللئام وتنظر إلى الأشراف والأحرار من الجماهير نظرها إلى الأنعام. إن مثل هؤلاء المستبدين لهم علامة من جملة علامات الساعة كما جاء في الحديث الشريف "لا تقوم الساعة حتى يرتفع التحوت على الوعول قيل يا رسول الله من التحوت؟ قال: أسافل الناس، قيل فمن الوعول؟ قال: كرام الناس". إن أولئك الطغاة هم أسواق النفاق في كل عصر ومصر وإنهم مهما اعتمدوا على قوتهم الظاهرية فإنهم مغلوبون ومهما اعتمدوا على جاههم فإنهم مخلوعون لا محالة لأن ناموس الكون لابد أن يطولهم وإن المظلومين الذين قهروا من قبلهم لهم أهم جزء في هذا الناموس، إن الظلمة أساس نكبة هذه الأمة وهم أعدى أعدائها الحقيقيين لأنه كما قال السباعي: لا يبلغ الأعداء من أمة ما يبلغ منها استغلال ساستها لمثلها العليا، وليس ذلك غريبا فمن لم تملأ قلبه مشاعر الإيمان بالله ومراقبته كيف يؤمن على وطنه وشعبه ولا خير في سلطان لا يشعر بسلطان الله عليه ويمعن في الحقد على خيار الرعية مع أن المقنع الكندي ينصح في شعره: وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا بل عنترة بن شداد إذ يقول: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب إن مثل هؤلاء الفراعنة يشعرون بأنهم يشيرون ولا يستشيرون ويستغلون العواطف البريئة لأغراض غير بريئة ويسبحون في بحور الظلمات كالسمك الكبير الذي يأكل السمك الصغير، انهم يدمرون البلاد والعباد تدميرا ويكفي أن يذلوا الأمة ويعزوا أعداءها بعد ذلك، ولكننا مع ذلك نقول: إن وجودهم وتماديهم هو السبب الحقيقي لبزوغ النور من بين الظلام ولولا الطغاة لما عرف أدعياء الحرية من شهدائها كما قال السباعي: إن هذا اليوم في مصر لهو يوم الفصل لا الهزل، يوم الانتفاض على الظلم والظالمين، يوم التضحية بأزكى الدماء التي بأياديها المضرجة تدق أبواب الحرية يوم الشروق الباسم بلا حدود فقد قال الشعب كلمته ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ومن ينظر اليوم إلى هذه الجموع المحتشدة بأكثر من 150 ألفا في ساحة التحرير في القاهرة وهم يصلون المغرب ساجدين لله وحده عبيداً له لا لسواه يجأرون بالدعاء أن يحفظ الله مصر العروبة والإسلام مترحمين على الشهداء الأبرار صارخين وحناجر عشرات الآلاف في جميع ربوع أرض الكنانة تشاركهم وداعا للقهر والاستعباد والطغيان والفساد، ورفضا للرأس اللامبارك وزبانيته من الأشرار وللسياسة الحمقاء الخرقاء التي دمرت البلاد دينيا وأخلاقيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلى جميع الأصعدة، إضافة إلى كل من آزرهم ويؤازرهم من مصريين ومتضامنين في أرجاء العالم أمام السفارات أو في الساحات والمراكز والمواقع إنه يوم الفرحة التي نرجو من الله أن يتمها على الأمة ويحفظها من أي انتكاسة ويصون الثورة من السراق واللصوص الداخليين والخارجيين، إذ المجرمون دوما يتربصون بنا الدوائر ولكن الحق معنا ما دمنا معه ومن أوضح هذا الحق ألا يسمح لذيول النظام إن ذهب رأسه بالبقاء وأن يجتهد الأحرار للعمل على إلغاء قانون الطوارئ والمطالبة بحل مجلس الشعب والشورى وإنقاذ البلاد بحكومة وطنية صادقة فعالة، إذ أن تغير الأشخاص مع بقاء سياسة الفساد يضر أكثر فأكثر وإن شأن الطاغية المفسد مهما زعم وادعى ووعد بالإصلاح فإنه يفسد أكثر مما يصلح كما كان قال البشير الإبراهيمي رحمه الله، إن ذلك مع الدعوة لانتخابات نزيهة وشفافة بعد المرحلة الانتقالية لكفيل بإذن الله أن يخلص البلاد من هذه الأزمة الظلماء وذلك بعد أن يرحل الرئيس لأن ذلك هو المدخل الأساسي لحل هذه المعضلة ويكفيه حكم 30 عاماً كما قال العلامة الشيخ القرضاوي فإن كانت هذه السنون غرما فحسبه ذلك وإن كانت غنما فما غنمه خلالها يفيض ويفيض، إن إسقاط النظام لابد منه وأن الجماهير لقادرة أن تفعل المستحيل بعون الله مهما طغى المتجبرون سيما أنهم غير مقبولين لا في الدنيا ولا الآخرة. وإنه كما قال السباعي: يجب ألا نغتر بامتداد سلطان المفسدين فإن من حكمة الله ألا يأخذهم إلا بعد أن لا يوجد من يقول عنهم رحمهم الله، وإن لله سيوفا تقطع رقابهم ومنها أخطاؤهم وحماقاتهم، حيث إنهم كم آذوا الصادقين والدعاة والأحرار والوطنيين المخلصين فأمهلهم الله سنين لكن هذا يوم القصاص إذ انكشف أمرهم أكثر وأكثر فلا غرو أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فيا شباب مصر والعرب جميعاً لا تيأسوا فلابد لليالي أن تتمخض عن أملكم المنشود وعلى الباغي تدور الدوائر، فمتى يفهم الطغاة؟ [email protected]