04 نوفمبر 2025
تسجيللم تكن انتقادات أسقف ليفربول أحد الزعماء الدينيين المسيحيين في بريطانيا، للرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي الأولى من جانب مؤسسة الكنيسة إذ سبقتها انتقادات من بابا الفاتكيان الذي يعرف بالحبر الأعظم.. المسؤول الكنسي الرفيع استخدم تعبير "نظام حكم" لوصف إدارة ترامب قائلا: إنه يهمش الفقراء، ويبني جدرانا فاصلة بدلا من الجسور.. وقال بصوت عال إن من يؤيد ترامب من الزعماء المسيحيين لا يمكنهم الدفاع عن صدق إيمانهم بالمسيحية. وترامب الذي قام برنامجه الانتخابي على خطاب عنصري استعلائي شعبوي، لا يبدو أنه يعبأ بالكنيسة كما لا يبدو أن الكنيسة تعترف به كمسيحي. في العام الماضي، شكك بابا الفاتيكان في العقيدة المسيحية لترامب، على خلفية دعوته لبناء جدار حدودي مع المكسيك. وقال ترامب، الذي التقى البابا بعد ذلك:"من المخزي أن يشكك زعيم ديني في إيمان شخص ما.. أنا فخور بكوني مسيحيا". وخلاف الكنيسة مع ترامب مُنصبٌ على سياسات شعبوية موغلة في تحدي القيم الديمقراطية المسيحية التي هي إيديولوجية سياسية تسعى لتطبيق المبادئ المسيحية في السياسة العامة وتتعارض أحيانا كثيرة مع العلمانية. حيث غالبا ما تعتبر المسيحية الديمقراطية، محافظة في القضايا الثقافية والاجتماعية والأخلاقية، وتدعو إلى اقتصاد السوق الاجتماعي في المجال الاقتصادي على أساس احترام الأسرة. الأسقف البريطاني الكبير أشار بوضوح من خلال انتقاداته إلى حظر ترامب مواطني تشاد، إيران، ليبيا، الصومال، سوريا، واليمن من دخول الولايات المتحدة. وقال إن ترامب يعتزم مراجعة قواعد الهجرة، الأمر الذي قد ينهي التنوع الذي تتميز به تأشيرات اليانصيب (اللوتري)، وتحدّ من أعداد اللاجئين، الذين تتوفر لهم فرصة الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة. يقول رجل الدين البريطاني:"إن الناس أحرار في تأييد الشعبووية اليمينية، لكنه تساءل كيف يتوافق ذلك مع العقيدة المسيحية".. لكن لا يبدو أن شعبوية ترامب أمر خاص به فمهمة الكنيسة حول العالم ستكون جسيمة إن كانت صادقة في مواجهة الشعبوية اليمينية المتنامية في الغرب.. فبعض نظم الحكم الغربية تسير نحو الشعبوية تتناقض باستمرار مع ما ارتضاه العالم الديمقراطي من قيم وآليات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. هناك خطاب متماد يعمل على تعزيز الانعزالية والتشدد والانكفاء.. اليوم تبدو مقومات وقيم النظم الديمقراطية التي سادت في الغرب فاقدة لتأثيرها بل هبطت إلى الدرك الأسفل من سلم الانحطاط القيمي.. لقد باتت نظم الحكم الغربية تخضع لهيمنة زعامات سياسية مثل ترامب لا تعرف سوى تعميق الانقسام المجتمعي. وهكذا تخاطب الشعبوية عواطف الجماهير بشكل انتهازي، وتدغدغ أحلامهم في سياق حملة تعبئة تخلو من السذاجة بشكل يقود في المحصلة إلى إخفاقات مدمرة وسياسات كارثية.. ويبحث الذين يتولون كبرها عن الدعم الشعبي من خلال تحديهم للمؤسسات التقليدية الديمقراطية. وهم كذلك فئة ذات نزعة سياسية رافضة لفكرة التنوع المجتمعي ومؤمنة بالتعارض بين الشعب والمؤسسات الديمقراطية، وجانحة للغوغائية والفوضوية. الكنيسة مدعوة اليوم وهي تحاول إنقاذ مجتمعاتها من خطر الشعبوية أن تنظر في الخلل، هل هو في النسق الديمقراطي نفسه أم أنه يعود في المقام الأول إلى البنية الأمريكية السياسية - على سبيل المثال لا الحصر - التي سمحت لمرشح مثل ترامب بلا تاريخ سياسي أو تنفيذي.. فقط مجرد رأسمالي صاحب تصورات سياسية واقتصادية فردية بجدارة.. ويتأبط خطابا ينضح باليمينية العنصرية غير المتصالحة حتى مع نفسها.. معاد للمرأة وللمهاجرين وكاره للمسلمين والإسلام. لقد هاجم ترامب تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية أقرب سياسيي العالم له، لأنها انتقدت إعادته نشر مقاطع فيديو لجماعة بريطانية يمينية متطرفة على حسابه على تويتر.. وقال لها ترامب "لا تركزي علي، ركزي على الإرهاب الإسلامي المتشدد الذي يحدث في المملكة المتحدة".