10 سبتمبر 2025

تسجيل

الشارع العربي والفجوة القاتلة (1)

30 ديسمبر 2017

المتأمل هذه الأيام فيما يجري في المنطقة يدرك أن هناك خطأ قاتلا في عملية صناعة القرار واتخاذ إجراءات مصيرية بدون دراسة وبدون مشاورة والنتيجة في نهاية المطاف تكون كارثية وأثارها في الكثير من الأحيان تبقى وصمة عار على الأمة بأسرها. فالاستبداد والتسلط والتفرد بالقرار يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، الثمن يكون غاليا والندم لا ينفع. تاريخيا القرار الذي نجم عن الحاكم المستبد المتسلط أدى إلى حروب وأزمات وصراعات خلفت وراءها ملايين الأرواح وخسائر مادية تقدر بالمليارات. الخاسر في نهاية المطاف هي الشعوب المغلوب على أمرها والتي في حقيقة الأمر لا تمثل سوى أرقام جوفاء لهؤلاء الطغاة. في أيامنا هذه هناك نسبة كبيرة من القادة العرب يتعاملون مع قضايا البلاد والعباد والثروات والخيرات وكأنها ملكيتهم الخاصة يفعلون بالشعوب ما يشاؤون ويتصرفون في ثروات البلاد كما يريدون.  يا ترى ما هي علاقة الشارع العربي بصناعة القرار السياسي؟ وهل هناك رأي عام عربي؟ وإلى أي مدى يستطيع الشارع العربي أن ينتقل من مرحلة المظاهرات والمسيرات إلى مرحلة الفعل والتنفيذ. قبل سنوات استطاع الشارع الفنزويلي أن يرجع الرئيس هوغو شافيز إلى الحكم واستطاع هذا الشارع أن يُفشل خطة المرتزقة ومن ورائهم دول معروفة في مهارتها في تدبير الانقلابات والإطاحة بالدول التي تختلف معها أيديولوجيا وسياسيا.  وقبل سنوات استطاع الشارع الفلبيني أن يرغم الرئيس جوزيف استرادا على التخلي عن الحكم وأن يقدم للعدالة بسبب تورطه في عمليات رشوة وفساد مالي وسوء إدارة لشؤون البلاد والعباد في الفلبين، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو متى يصبح الشارع العربي قوة تنجب الأفعال ومتى يقضي هذا الشارع على تلك الفجوة القاتلة بينه وبين الحكام حيث نلاحظ أن الشارع في صوب والسلطة في صوب معاكس تماما. وفي بعض الأحيان نلاحظ أن الشارع ما هو إلا عبارة عن فلكلور شعبي يخترق ويستخدم من القوى الفاعلة في المجتمع لتحقيق مصالح هذه الحفنة المسيطرة على الشؤون السياسية والمالية في البلاد، وفي أحيان أخرى يستعمل للترفيه والتسلية ولأحلام اليقظة، وتارة يستعمل انطلاقا من مبدأ أن "الكلاب التي تنبح لا تعض". فالشارع العربي لم يرق بعد إلى درجة القوى المضادة التي تراقب وتعارض وتفرض إرادتها على السلطة، فالملاحظ أن هذا الشارع ورغم أنه يمثل الرأي العام ويمثل عفوية الجماهير والفئات العريضة من المجتمع والإرادة البريئة الطاهرة النقية لملايين البشر إلا أن تجسيد هذه الإرادة في الفعل السياسي وفي القرار السياسي يقع في خانة المستحيل والعقم. فقبل أن نتطلع إلى رأي عام عربي فاعل يجب أن نستفسر عن متطلبات ومستلزمات فاعلية الرأي العام في المجتمع. ما هي يا ترى مكانة الفرد في العملية السياسية؟ هل من مؤسسات سياسية فاعلة في الوطن العربي؟ كيف يصنع القرار في الدول العربية؟ ماذا عن الحريات الفردية وحرية الفكر والرأي وحرية الصحافة والتعبير والتجمع…إلخ. وبالإجابة على هذه الأسئلة نستنتج أن الفرد في العالم العربي هو مجرد رقم وأن معظم المؤسسات التي تمثله نجدها تفتقد لمفهوم المؤسسة ولمفهوم المجتمع المدني. ومن هنا نجد أن السلطات المضادة Les Contras Boudoirs تنعدم تماما في المجتمع وبذلك يصبح الفعل السياسي يسير في اتجاه واحد تنعدم فيه السوق الحرة للأفكار ويغيب عنه الرأي الآخر وتقمع فيه الحريات وبذلك يتدهور الأداء السياسي وينحط القرار السياسي إلى أدنى مستوى. نتساءل هنا كذلك على الطريقة التي وصلت بها الأنظمة العربية إلى الحكم؟ ونتساءل كذلك عن شرعية هذه الأنظمة؟ وفي غالب الأحيان نجد أن هذه الأنظمة فرضت نفسها على الواقع السياسي وجاءت بدون الرجوع إلى الإرادة الجماعية في المجتمع إلا نادرا وبذلك لا شرعية توجد ولا مرجعية جماهيرية تربط الحاكم بالمحكوم.   فالرأي العام يمثل أساس السلطة في عصر ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال وعصر الصراع المحتدم على من يملك المعلومة والمعرفة، والرأي العام يلعب دورا إستراتيجيا في المجتمعات الديمقراطية، وتزايدت أهميته في عصرنا هذا حيث إنه أصبح يمثل المرجعية الأساسية في صناعة القرار وفي الفصل في الكثير من القضايا الحساسة والمصيرية. فالرأي العام هو السلطة الحقيقية التي تعتمد عليها الدولة في تجسيد شرعيتها وتثبيت وجودها سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. وكلما اعتمدت السلطة على الرأي العام ورجعت إليه في معالجة القضايا المطروحة في المجتمع كلما نجحت في تدبير أمورها وفي كسب رضا الشارع. فالرأي العام إذن هو الوجه الآخر للديمقراطية وحرية الصحافة حيث إنه يتفاعل ويتأثر ويؤثر في كل منهما. فالديمقراطية التي لا تعتمد على الرأي العام لا تستطيع أن تكون كذلك، والصحافة الحرة التي لا تشكل وتكوّن الرأي العام وتؤثر فيه وتتأثر به لا نستطيع أن نسميها صحافة حرة وفاعلة. وفي كل ما تقدم نسأل ما هي العلاقة الموجودة بين السلطة العربية والشعب العربي "الرأي العام" في التعامل مع القضايا المصيرية والهامة خاصة القضايا التي تمس مشاعر وأحاسيس ومصالح الشعب مباشرة؟ وهنا نلاحظ أن الرأي العام العربي مهمش تهميشا كبيرا في الكثير من القضايا التي تهّمه من قريب أو بعيد. وإذا أخذنا ما يجري هذه الأيام في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما نجم عنه من مسيرات ومظاهرات شعبية حاشدة من الخليج إلى المحيط كمثال على علاقة السلطة بالرأي العام نلاحظ الفجوة القاتلة ما بين الشارع والسلطة ونلاحظ عقما مأساويا وعدم فاعلية الإرادة الشعبية والمرجعية الأساسية في المجتمع. وهذا ما يؤدي إلى فقدان الثقة والمصداقية وإلى القطيعة ما بين الشارع والسلطة.