14 سبتمبر 2025

تسجيل

بيئة الرسول وتأثيرها عليه لغوياً وأدبياً

30 ديسمبر 2015

قال صاحبي: كان الرسول صلى الله عليه وسلم ذا لسان عربي فصيح ولا عجب في ذلك، فقد نشأ في قريش وهي من أفصح اللهجات العربية، وكان يحضر أسواق مكة، ويتذوق ما ينشد فيها من أشعار، وعاش رضاعته في بني سعد بهوازن، وهوازن من أفصح قبائل العرب.والنصوص الشعرية الواردة من الشعر الجاهلي تدل دلالة قاطعة على أن القبائل العربية الشمالية اصطلحت فيما بينها على لهجة أدبية فصحى، كان الشعراء على اختلاف قبائلهم وتباعدهم وتقاربهم ينظمون فيها شعرهم، رغم أن المستشرقين شككوا في هذه اللهجة وفي أصلها، وسعوا إلى نفي لهجة قريش وادعوا ادعاءات مختلفة في هذه اللهجة الفصيحة المستقرة في الشعر الجاهلي وبها نزل القرآن الكريم.ولكن الواضح أن هذه الآراء تعتمد على الغرض والحدس وقد أراد بها أصحابها أن يناقضوا اشد المناقضة ما استقر في نفوس أسلافنا من أن هذه اللهجة الفصحى إنما هي لهجة قريش التي نزل بها القرآن الكريم.وقد رفض المستشرقون أيضاً نظرية العرب في كون الفصحى عين اللهجة القريشية، فقد ذهبوا يطلبونها في لهجات القبائل النجدية، متناسين أن شيوع لهجة ما يقترن بحالة سياسية أو روحية أو حضارية، بحيث تصبح لغة الفكر والشعور للجماعة الكبرى، فقد كانت مكة مهوى أفئدة العرب في الجاهلية، وكان لها نفوذ واسع بسبب مركزها الروحي ونفوذها الاقتصادي لكونها مركز التجارة وملتقى القوافل والأسواق.فقد كانت مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها، إذا الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم، فصاروا بذلك أفصح العرب، ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم، ولا عجرفية قيس، ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة، ولا الكسر الذي تسمعه من أسد وقيس.فليس بمستغرب أن تكون لغة قريش هي الفصحى التي عمت الجاهلية لتشمل كل القبائل العربية شمالا وغربا وشرقا وجنوبا، وعندما قدمت الوفود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحاورهم وهم يفهمونه دون مشقة، وسرعان ما فهموا القرآن الكريم بمجرد سماعه.وحتى اللهجات التي نزل بها القرآن الكريم كانت لهجات القبائل الأقرب إلى قريش، وقيل إن لغة قريش نفسها تستوعب اللهجات السبع للقرآن أي القراءات ليدل على أن القرآن كان مفهوماً لدى القبائل العربية، وتناقلوا السور القرآنية، وتذوقوا بلاغتها في حواراته فدخلوا في الإسلام أفواجاً، خاصة أنهم وجدوا في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم تكاملاً في التكوين اللغوي والبيئي والعربي، فقد جمع ما بين الحضارة النسبية (التمدين) في مكة، فصاحة وبساطة أهل البادية بجانب فهمه عاداتهم وتقاليدهم وطريقة تفكيرهم، وسبل تلقيهم المفاهيم والتصورات والمدركات، كما أنه صلى الله عليه وسلم علم كثيراً عن لهجات القبائل العربية باختلافها.وبالله التوفيق.