15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإذاعة وبناء الإنسان

30 ديسمبر 2012

لاشك بأن الإذاعة مدرسة متكاملة تبني العقول وتبني ثقافة الأجيال عبر الزمان ولأن الإذاعة تسيدت مكانة مرموقة منذ بدايتها على مر السنوات فقد كان المثقفون والنخبة هم أقرب الناس إليها وأكثرهم التصاقا بها سواء بالمشاركة أو بالمتابعة، وعنوان مقالي هذا ما هو إلا عنوان كتاب من أجمل وأروع الكتب التي قرأتها حتى الآن ((الاذاعة وبناء الإنسان))، ومن خلال ما تم طرحه في هذا الكتاب يعرف القارئ لماذا وكيف تبني الإذاعة الإنسان عبر الأجيال، ولأن مؤلف هذا الكتاب من أبناء الإذاعة وأكثرهم إسهاما فيها، فقد تطرق إلى نقاط مهمة بأسلوب جميل أقرب إلى الرواية أو القصة، فهو يحدثنا في هذا الكتاب عن الإذاعة كبرنامج والإذاعة كمسلسل والإذاعة كأغنية والإذاعة كمدرسة بشكل عام ولأن هذا الكتاب من النوادر حيث كانت آخر طبعة له عام أغسطس عام ألف وتسعمائة وثمانية وسبعين للمؤلف إيهاب الأزهري، لذلك كله اخترت الحديث عنه كمدرسة أخرى في التدريب والتوجيه الإذاعي، حيث يطرح سؤالا مهما، حيث يقول: كيف تدخل عقلا وتعيد تنظيمه؟ ويجيب تحت هذا العنوان فيقول: كان لي حظ الاشتراك في اجتماع الدورة السابعة لاتحاد الإذاعات العربية الذي عقد في قطر عام ألف وتسعمائة وخمسة وسبعين حيث ألقى وزير الإعلام القطري ((آنذاك)) السيد عيسى الكواري في الاجتماع كلمة ترحيب برجال الإعلام الذين يمثلون إذاعات وتلفزيونات العالم العربي كله ووصفهم برجال الإعلام - أعظم وصف وأدقه وأجمله- إذ اعترف لهم بدورهم الحقيقي الخطير في مجتمعهم ووضعهم بهذا الوصف أمام مسؤولياتهم الكبيرة ووصفهم بأنهم ((صائغو الأفكار وموجهو العقول))، فاعترف لهم بأنهم القادرون على أن يفتحوا العقول ويدخلوها ويعيدوا تنظيمها! يستطيع رجل الإعلام أن يفتح العقل برفق ويدخله بهدوء ويعيد تنظيمه تنظيما سليما إذا عرف الأسلوب الصحي والمؤثر ويستطيع أن يضرب الدماغ بعنف ويقتحم العقل ويعيد تنظيمه في ضجة وهو في الغالب يخرج بنتيجة عكسية وإعادة تنظيم العقل تعرضت لتغيرات كبيرة في الأسلوب في التاريخ وتحت ظل الظروف المتغيرة، فأنت تستطيع أن تعيد تنظيم عقل طفل صغير بأن تقول له: لا تفعل كذا، فيقول لك: حاضر، وقد يطيعك في حضورك وفي غيابك وقد يطيعك في حضورك فقط ولا يطيعك في غيابك. يتوقف الأمر على مدى حبه لك ولكن عندما يكبر الصغير وتحاول أن تعيد تنظيم عقله بالطريقة نفسها وتقول له لا تفعل ذلك، فإنه سيقول لك لماذا؟ ويصير لزاما عليك أن تقنعه بأسلوب سهل أو معقد على حسب مستوى ذكائه وإذا أقنعته فسيطيعك في حضورك وفي غيابك أو يطيعك في حضورك ويعصيك في غيابك، يتوقف الأمر على مدى حبه لك أو خوفه منك، وإذا ما زادت ثقافة صاحب العقل الذي ترغب في أن تعيد تنظيم عقله وقلت له افعل كذا ولا تفعل كذا، فإنه سيقول لماذا، وهنا عليك أن تكون بارعا إلى درجة كبيرة عالية لتقنعه وستجد أنه مهما كانت درجة براعتك فله من ثقافته حجج يستطيع أن يناقشك بها، فإذا كنت بارعا بدرجة عالية وكان هو مثقفا بدرجة عالية فإنه سيطيعك إذا أقنعته.  هذه حالات ثلاث أساسية في إعادة تنظيم العقل تختلف في أشياء كثيرة ولكنها تجتمع في أن منظم العقل يجب أن يكون محبوبا لكي يكون ناجحا، ومن أوضح حالات تنظيم العقل هي حالات الأديان السماوية وإذا نظرنا إلى أعظم الأديان نجد أن محمدا عليه الصلاة والسلام اكتسب قبل الرسالة حب الناس واحترامهم وتقديرهم وعندما جاءت الرسالة اقتنع به من البسطاء بالحكمة والموعظة الحسنة وهو الأسلوب المباشر في تنظيم العقول ولكنه عليه السلام احتاج من غير البسطاء إلى قدرة كبيرة على الإقناع أدت إلى غزوات ومعارك وهكذا الناس يخاطبون على حسب مستوى عقولهم ومستوى تفكيرهم.. أتوقف عند هذا لأقول إن هذا الحديث هو تمهيد مباشر للدخول في تفاصيل برامج البث المباشر والبرامج التسجيلية ومدى تأثير كل منها وأهميتها ومدى حاجتنا لها من حيث عدد الجرعات في اليوم الواحد.. وللحديث بقية.. مع محبتي