19 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن لشعوب دول الخليج أن تهتم بمتابعة وفاة الجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف والذي توفي يوم الخميس الماضي لولا احتلال العراق لدولة الكويت في عام 1990م وتلك الملحمة القاسية التي عاشتها شعوب المنطقة مع ذلك الحدث الذي عُد تحولاً غريباً لمجريات الأحداث والعلاقات العربية وجعل الشعوب الخليجية التي عاشت فترة هدوء ورخاء في مواجهة مباشرة مع صواريخ سكود العراقية وأقنعة الحماية من هجمات الأسلحة الكيماوية التي لا تزال تذكاراً لتلك الفترة في منازلنا. فكان الجنرال بضخامته وحيويته من أوائل الواصلين إلى المنطقة لقيادة قوات التحالف الدولي في المعركة التي طُردت فيها قوات صدام حسين الغازية للكويت وأسميت بعاصفة الصحراء، كانت فعلاً معركة كبرى وكان الجنرال "الدب" حسبما أطلقت عليه الصحافة العالمية هذا الوصف بسبب ضخامة جسمه وتنقلاته المستمرة بين جيوش دول التحالف التي حشدت أكثر من 750 ألف جندي من 34 دولة من مختلف دول العالم وتوزعت بينها المهمات العسكرية واللوجستية لتحقيق ضمان المعركة التي كانت غريبة على أوساطنا المحلية سوى إنها غذت ذاكرتنا وخيالاتنا بالعديد من الصور والمواقف. فإلى جانب الجهود الدبلوماسية الكثيفة التي بُذلت لإقناع العراق بالانسحاب كانت الجهود لتحشيد القوات العالمية لتلك المعركة حثيثة أيضا وفتحت لذلك المجالات الجوية وقدرات التمويل وصار تجوال قوات التحالف في مدننا الخليجية والتي توزعت عليها تلك القوات أمراً مألوفاً عند العامة ولكنه لم يكن أمراً اعتيادياً عند البعض ولم يتم قبوله هكذا ضمن مسلمات المعركة ضد العراق فهو عندهم كان غزواً علنياً ومواجهة للفكر المحلي الذي يمتعض بكثافة أمام الركون إلى معسكر غير المسلمين والاستنجاد بهم. ناهيك عن فتح الأجواء لهم للعبث في ديار المسلمين وقد تبنى هذا الفكر عدد من الدول العربية مما أسميت بدول الضد بينما كانت المساومات تصنع تحولاً في مواقف المعسكر الشرقي المتمثل في الاتحاد السوفيتي آنذاك. ومع انطلاق المعركة في الـ 17 من يناير 1991م والتي قادها الجنرال شوارزكوف ظل مشهد بزته الخاكي هو ورفاق التحالف محل استفزاز عند أولئك البعض الذين استنفروا مجمل القديم والحديث من صيغ الخطاب والنعوت لتحشيد موقفهم الرافض لتلك الاستعانة مما وسع المجال أمامهم رغم معرفتهم الضمنية باستحالة المواجهة المحلية مع العراق المتمترس بقوات جرارة وخبرات حرب الخليج الأولى مع إيران. ولكن اعتبر قدوم شوارزكوف ورفاقه شرارة المعركة ضد فكرة الغزو الأجنبي للمنطقة والذي نوهض بصور مهاجع الجنود غير المحتشمة وقيادة المجندات للسيارات علناً في شوارع المدن السعودية مدججات بالأسلحة فتولدت مع ذلك حماسة الجهاد وبرزت التنظيمات التي توسعت في بناء فكرها وقواعد تمويلها حتى إذا ما انتهت حرب تحرير الكويت في 28 فبراير من العام نفسه وتتابع رحيل جنود التحالف عائدين إلى بلدانهم وعودة الشرعية إلى الكويت واهتمام دول المنطقة بصياغة برامجها ومديونياتها وخططها وعلاقاتها لمرحلة ما بعد حرب الكويت حتى بزغت المواجهة مع الغاضبين من وجود شوارزكوف ورفاقه وهي مواجهة ظلت مستمرة حتى يومنا هذا بتعدد مواقعها وأهدافها رغم رحيل السبب إلا أنه فكر مستمر وجد في بزات الخاكي ذريعة للظهور والحديث في أمور شتى تقلق الحكومات والشعوب هنا ويشكل ارتباطها وتبنيها للفكر العقائدي أمراً غاية في الخطورة والتعقيد معاً. وهو ما طور الأمور نحو التصعيد وفقاً لما حدث في الـ 11 سبتمبر والذي أعاد بزات الخاكي للمنطقة بدور أطول وأكثر تعقيداً كما في أفغانستان والعراق. وحيث تزامنت وفاة الجنرال شوارزكوف مع إعلان دولة الإمارات المتحدة بالتعاون مع أجهزة الأمن السعودية عن كشف خلايا إرهابية تستهدف قيادات ومراكز في دول المنطقة مما يؤكد أن الحرب ضد الإرهاب لن تستكين هنا حتى بعد وفاة رمز التحشيد الأول الذي استفز بقدومه مشاعر المتشددين وغذى فكرهم للمضي في معركة لا يعرف لها أمد ضد أعداء الأمة ومعاونيهم. بل تغذي الظروف الإقليمية وتحولاتها وكذلك الحركات الداخلية في عالم الرقمية الآن جهود أولئك الممتعضين وهو ما يتطلب المزيد من التأهيل الفكري والاحتواء للأفكار والمستجدات بالعمل المؤسسي المتقن وصياغة برامج العمل المحلية وفقا لما يجلب الأمان للجميع.