29 أكتوبر 2025
تسجيلقود مورننج سير.. هكذا تصبح على إحدى العاملات في منزل والدتي عندما تقابلني وأنا في طريقي متجها إلى العمل. "عيد مبارك سير" تقولها أيضا لي ولغيري من أفراد الأسرة في الأعياد والمناسبات الدينية الاسلامية المختلفة.. هي تذهب كل يوم أحد في الاسبوع مع خادمات أخريات إلى الكنيسة الخاصة بها في منطقة مسيمير التي شهدت في عام 2008 افتتاح أول كنيسة كاثوليكية في قطر، ثم جرى تشييد خمس كنائس أخرى لاحقا، الأمر الذي أتاح للآلاف من المسيحيين ممارسة شعائرهم في دور عامة للعبادة بعد عقود من ممارستها سرا. كما أنها، أي خادمتنا، ذهبت ذات مرة مع صديقاتها من الخادمات المسلمات لدى عائلتنا إلى مركز قطر الثقافي الإسلامي "فنار". هل من مشلكة عندما تأتي أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية في أن أهنئ هذه الخادمة وأبارك لها ولغيرها من زملائي المسيحيين قائلا لهم "Merry Christmas" أو "Happy New Year"؟! الجدل البيزنطي حول جواز تهنئة غير المسلمين عموما والمسيحيين خصوصا بأعيادهم مستمر، ومع قرب حلول السنة الميلادية الجديدة فإن الحديث هذه الأيام لا يخلو عن ذلك خاصة في وسائل الاعلام الحديث مثل المدونات أوالمنتديات أوالفيس بوك وغيرها. مثلكم هذه الأيام، تكاد تصلني يوميا العديد من الرسائل في البلاك بيري تحذر من تهنئة المسيحيين بأعياد الكريسماس ورأس السنة الميلادية وتؤكد عدام جواز ذلك وأنها حرام. مع احترامي لهذه الآراء، إلا أنني لا ألقي لها بالا لأن المسألة واضحة وضوح الشمس. فما الذي يمنع أن أقدم إلى جيراني المسيحيين أو من يعملون منهم في بيتي أو يزاملونني في عملي أو مدرستي أو أي مكان آخر أو قد يقربون لي أيضا، أن اقدم لهم التهنئة بمناسبة أعيادهم؟ في الحلقة الأخيرة من برنامج "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة الاحد الماضي كرر الدكتور يوسف القرضاوي فتواه التي أجاز فيها تقديم التهنئة لاخواننا المسيحيين فى اعيادهم انطلاقا من قول الله تعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". صحيح ان هناك الكثير من العلماء حرموا ذلك، ومنهم شيخ الاسلام ابن تيمية الذي افتى بعدم جواز تهنئة غير المسلمين من اهل الكتاب بأعيادهم، بيد أن عددا من العلماء المعاصرين يرون العكس تماما ويميلون إلى الجواز بتهنئتهم، فالمسألة تبقى محصورة في بعض كلمات المجاملة المعتادة لأصدقائنا وأقربائنا أيضا. بل ان آخرين ومنهم الشيخ قيس المبارك، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، أجاز قبول دعوة غير المسلمين لحضور أعيادهم، وأيده في ذلك الشيخ عبدالله بن بيه نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين. يقيم في قطر، طبقا لإحصاءات عام 2008 أكثر من نصف مليون مسيحي من جميع الطوائف كالكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، وإن كانت الأغلبية تنتمي إلى الطائفة الكاثوليكية. وهؤلاء نتعامل معهم يوميا، وهم زملاء لنا وأصدقاء وأقارب، ومثلما يشاركوننا في أعيادنا ومناسباتنا الدينية ويحرصون على تقديم التهنئة لنا، حري بنا أن نعاملهم بالمثل. المسألة عموما ليست مقتصرة فقط على مبدأ المعاملة بالمثل، بقدر ما هي احترام للآخر وثقافته ومعتقداته وديانته والتسامح معه. وحري بنا أن ننشر ثقافة التسامح بين شبابانا عبر وسائل مختلفة ومنها تهنئة غير المسلمين في أعيادهم بدلا من تحريم ذلك. إلا أن ذلك لا يعفينا من استنكار مظاهر الاحتفال المبالغ فيه بأعياد الكريسماس والسنة الميلادية الجديدة في بلادنا ففي الحلقة ذاتها من "الشريعة والحياة" الذي تبثه قناة الجزيرة مساء الأحد من كل اسبوع أكد القرضاوي على انه لا يجوز الاحتفال بأعياد الكريسماس نهائيا ولا يجوز للمجتمع المسلم ان يغير من هويته الاسلامية وانتمائه واعرافه وتقاليد دينه، منبها على ان بعض المسلمين يحتفلون بهذه الاعياد التي لا تمس للمسلمين بأي صلة بطريقة لا يحتفلون بها فى عيد الفطر مثلا. صحيح، طبقا لتقرير نشرته جريدة الأنباء الكويتية، أن عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية د.قيس بن محمد آل الشيخ أعلن ان اجابة دعوة غير المسلمين لحضور اعيادهم أمر مباح اذا قصد من ورائه ادخال الفرحة عليهم وتأليف قلوبهم على الاسلام، إلا أن ذلك لا يعني الاحتفال المبالغ فيه. فالدكتور بين ان حضور اعياد غير المسلمين استجابة لدعوة منهم من مسائل الفقه التي يسعها الخلاف، مشيرا الى ان العلماء اختلفوا فيما بينهم فمنهم من ينهى عن حضور اعيادهم خوفا من ان يكون فيه اقرار لهم ورضا بما فيها من منكرات، ورأى أنه لا خلاف في ان اقرار اعياد غـير المسلمين والرضا بها من اعظم المحرمات غير ان من العلماء من اباحها لما في ذلك من بر بهم وتأليف لقلوبهم. وقال أيضا ان رفض دعوة غير المسلمين لحضور اعيادهم ينفرهم ويصرفهم عن الحق، مضيفا: نحن مطالبون ببث الخير للناس ولا سبيل لعرض ما عندنا من هدى وخير الا بتطييب النفوس وتهدئتها لنرى الحق فنهتدي إليه. وشخصيا لمست أثناء دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر القرن الماضي عن قرب مشاركة المسيحيين واليهود وغير المسلمين في الكثير من المناسبات الاسلامية، وكان البعض منهم حريص على التواجد في المراكز الإسلامية في عيدي الفطر السعيد والأضحى المبارك والاستماع إلى الخطبة وتقديم التهنئة لنا بهذه المناسبة. مثلما كان آخرون ايضا يشاركوننا الصيام في أحد أيام شهر رمضان الكريم وتجدهم يفطرون معنا، بل ويحرصون على عدم جرح مشاعرنا بعدم تناول أي شيء أمامنا عند تواجدهم معنا خلال ساعات الصيام. هنأوا أصدقاءكم وأحبابكم من المسيحيين احتفالهم بأعياد الكريسماس ورأس السنة الميلادية، ويمكنكم مشاركتهم الاحتفال بهذه المناسبة لكن في حدود ما أمرنا به ولا تنسوا بأنكم مسلمون. نحن مسلمون وديننا علمنا كيف نحترم الآخر ونتسامح معه من جهة، وكيف نحافظ على هويتنا من جهة أخرى.