13 سبتمبر 2025
تسجيلالذي يغلب على الظن ولاعتبارات كثيرة هو أن العدو لا يسعى من وراء التصعيد الحالي ضد غزة إلى عدوان مفتوح عليها.. هذا الاعتقاد يشجع عليه ما انتهى إليه العدوان السابق من فشل مدو ودون أن يحقق الحد الأدنى من أهدافه التي كانت تتمحور حول العمل على تفكيك الكتلة الأساسية لسلطة حماس ودفع الناس للتخلي عنها تحت ضغط فداحة الثمن الذي يدفعونه من دمائهم وأمنهم ولقمة عيشهم بسب قبول حكمها.. وصولا لإعادة منظمة فتح لسدة السلطة في غزة.. أذكّر هنا بما نقله موقع (فيليكّا إسرائيل) الإلكتروني الصهيوني بعد ذلك العدوان عن الجنرال الصهيوني (يوآف جالانت) قائد ما يسمى بالمنطقة الجنوبية التي بضمنها قطاع غزة – والذي يرشح اليوم لرئاسة أركان جيش العدو - قوله: “إن إيقاف الحرب كان لأن إسرائيل لا تريد التورط أكثر في حرب إعلامية ضدها بدأت أوساط الإعلام الغربي تتجاوب معها.. ويقول: إن ما تحقق من أهداف لم يكن ممكنا تحقيق أكثر منه.. ثم يضيف: إن الوضع السياسي في العالم العربي يوجب على إسرائيل الزعم بأنها أوقفت الهجوم لأن باراك أوباما لن يكون سعيدا بأن تطغى أحداث غزة على أنباء توليه منصب الرئاسة بشكل رسمي، ولأن حلفاءهم من العرب! ليسوا في وضع يسمح لهم بتحمّل الضغوط الشديدة التي نجح داعمو (الإرهاب) في سوريا وإيران والسودان في إثارتها بوجههم ما يحتم عليهم منذ الآن ادعاء التعاطف مع الفلسطينيين وإلا سحبت تلك الدول البساط من تحت أقدام الدول المعتدلة! وحتى لا يسحب الرئيس السوري مدعوما من السودان وقطر المبادرة العربية في هذا الوقت والتي هي – على حد قوله – تمثل غطاء لعلاقة مباشرة بين السعودية – أكبر دولة إسلامية في العالم – وبين إسرائيل.. القضية بالنسبة للعدو لا تقف عند كون عدوانه ناجحا أو فاشلا فنتيجته في الحالتين كبيرة وخطيرة.. ولكن الفشل يعني شيئا آخر ؛ هو استنزاف رصيد الردع الذي كونه وجمعه عبر حروب طويلة وعدوانيات عديدة وسنوات كثيرة جعلت دولا مؤثرة تشاهد تجنيد الموساد عملاء من شعبها وعلى أرضها وفي عاصمتها يقوم به العدو على قدم وساق وترى العدو يقطع كابلات النت البحرية ويتسبب في خسارات مالية وتقنية هائلة لها.. ثم لا تستطيع الامتناع – مجرد الامتناع - عن التقاء رئيس وزراء العدو بعد أسبوع واحد من كل ذلك.. العدو يعلم أن اجتماع قادة حماس في مهرجان الانطلاقة الـ23 في مكان واحد تحت هدير الدبابات وأزيز الطائرات الحربية التي اخترقت حاجز الصوت فوق رؤوسهم عشرات المرات في حركة استعراضية تخويفية دون أن يهتز لهم جفن أو تتلعثم لهم كلمة.. هو يعلم أن ذلك فوق كونه غاية التحدي ؛ أنه حصيلة لتوازن الردع الذي سببه ذلك الفشل الذي أشار إليه الجنرال الصهيوني.. يضاف إلى الشواهد والقرائن على أن العدو لا يقصد عدوانا على غزة من نوع ومستوى ذلك العدوان قبل سنتين.. ما تبع ذلك العدوان من تفاقمات قانونية وسياسية وإعلامية لا يزال (متلبكا) بعقابيلها.. السؤال - ومع اليقين بأن العدو لا يتصرف بمنطق الصدفة والارتجال مهما كان عدوانيا ومتهورا ومهما كانت الظروف تخدمه - السؤال هو: لماذا التصعيد إذن؟ وأقول: بالإضافة لكون العدو عدوا ومحتلا وإرهابيا، وبالإضافة لكون حماس وضعت نفسها في مواجهته وتجهمت مخاطر وأثمان البديل الصائب والمجدي الذي تقدمه بدل اللهاث في هواه، وبالإضافة لكون الظروف تخدم هذا العدو وتوفر له مساحة واسعة وممتعة للتجريب والمناورة والمراوحة بين الخيارات وبالأخص من ذلك الحالة العربية والدولية، ورغم أن العدو لا ينحكم لحالة أو توقيت ما في كل ذلك.. بالإضافة لكل ذلك ؛ فالظن أن الأمر متعلق بالحالة السياسية التي تمر بها عملية التسوية وبما يترتب عليها من تأزمات، ومتعلق بالصورة التي يسعى العدو لتثبيتها في أذهان الشعب الفلسطيني عن سلطته – سلطة فتح – وأيضا بالصورة الكلية التي يريد العدو تثبيتها في الأذهان عن نفسه.. أما تعطل عملية التسوية ؛ فقد وضع جميع المنخرطين في هذه العملية في أزمة “ أزمة بدائل، وأزمة دفاع عن النفس، وأزمة مبرر وجود، وأزمة سواد وجه بشكل عام “ والظن أن العدو يريد حربا تغير عناوين واهتمامات المرحلة وتنسى الفشل الذي تجرعه من قبل بهدف السيطرة على الرأي العام وإعادة استرجاع مفقود الثقة لكل هذه الأطراف وبهدف نهائي هو منع إمكانية الانقلاب على مشروع التسوية وعلى السلطة كأحد أهم مخرجات هذه العملية. . المتصور أن عدوانا متقطعا على غزة سيكون استثمارا جيدا بالنسبة لنتنياهو مع شعبه وبمثابة الدليل على أن لديه بدائل ومبادرات (هنا تتداخل مصالح نتنياهو الشخصية والحزبية والقومية) أما السلطة فإن عدوانا على غزة سيوفر لها فرصة أن تقوم بدور الأخ الأكبر لحماس وسيعيد لها شيئا من مفقود الثقة “ شعبيا “ وربما يصنع لها صورة الحريص على الدم الوطني وربما “ أقول: ربما “ تحاول استثمار ذلك في استغفال حماس.. أما بالنسبة للوسطاء – أمريكا والنظام المصري – فإن تحرك مياه السياسة لدى أطراف الصراع يفترض أن يحرك مياههم أيضا (هنا ينبغي تذكر أن التسوية ومشروعها وأطرافها يشكلون ولاية واحدة في وجه المقاومة وبالضرورة أن كلا منهم يعنيه ما يكسبه لنفسه أولا ثم ما يكسبه لبقية أوليائه وحلفائه ثانيا).. من يتابع الصحف الصهيونية والمواقع الإلكترونية الصهيونية يلمس بوضوح أن العدو بات يعاني من هزيمة نفسية متعددة الأوجه والأسباب ؛ هزيمة العجز عن مواجهة المشروع النووي الإيراني، وهزيمة العجز عن تحريك التسوية، وهزيمة العجز عن حسم المواجهة مع مقاومة حزب الله وحماس، وهزيمة العجز عن احتواء الرأي العام الدولي والفضائح والملاحقات القانونية وتشوه العلاقات التاريخية في الدول الغربية التي صارت “ شعبيا وشبه رسميا “ تتعاطف مع المقاومة وتتظاهر ضد الحصار والعنصرية الصهيونية.. من هنا فالعدو يبحث عن حرب لرفع المعنويات ويعيد إليهم أوهام استعادة زمام المبادرة.. الاعتداء المطلوب “ إسرائيليا “ لا يصلح ولا يحقق هذا المعنى إلا إذا كان اعتداءات متقطعة ولا تتطلب صورة انتصار كبير ونهائي.. اعتداءات يسهل على الماكينة الإعلامية الصهيونية بقدرتها العالمية والمتفوقة أن تصدرها على أنها انتصارات محضة حتى لو كانت هي الهزائم بعينها.. العدو يرى أن حماس باتت تتربع على قدر من الوجاهة الوطنية والامتداد الثقافي تحسدها عليه نظم محترمة ومتمكنة ويطيل عمرها ويصعب معادلات مواجهتها.. والعدو يعلم أن بعض ذلك سببه القدر النسبي من الاستقرار الذي تتمتع به والكثير من الأمن والاقتدار على الدفاع عن الوطن الذي حققته ؛ من هنا فهو يحاول زعزعة هذا الاستقرار والحد من قدرة الوزارات على الاطلاع بدورها وتعريض المدنيين لمخاطر تذكرهم باستمرار أن حماس مصدر شر وابتلاء لا مصدر خير واستقرار.. وذلك لا يتحقق أيضا إلا من خلال استهداف متواصل وتفعيل مستمر وتخويف دائم.. أقول: فإذا كانت نقطة التحدي الأساسية هي وجاهة حماس وبقاء حماس فلقد أكدت مسيرة الآمال والآلام والإنجازات التي حققتها هذه الحركة الربانية منذ إعلانها بهذا الاسم الذي ملأ الخافقين وبهذا المضمون الذي أعاد للقضية قداستها والتئامها على أنها باليقين وبشواهد الواقع هي الرقم الصعب في الزمن الصعب، وأنها قادرة على تجاوز كل المعيقات والتآمرات وأنها أرسى وأرسخ من كل محاولات الاستفزاز والتحريف التي يتفتق عنها الذهن الصهيوني الكافر المتضافر والمتحالف مع التآمر الخياني المنافق، وأثبتت أنها تستحق كل تلك الثقة التي توليها إياها جماهير الأمة ومخلصوها وأحرار العالم مهما حاول المرجفون من حولها والمزهدون في إنجازاتها المأزومون من وجودها أن يشاغبوا على سمعتها أو يقطعوا طريقها أو يحرقوا وجاهتها.. إنجازات حماس لم تعد موضع نزاع أو مادة خلاف بعد أن قاربت المعجزات وتجاوزت كل الأسباب الظاهرة التي حكمت مثيلاتها في مثيلات حالتها وبعد أن حققت في فترة عشرات من السنين إبداعات الأداء والتضحيات والتجذر في وجدان المخلصين.. أزيد من إجمالي ما حققته جميع الحركات والتنظيمات الثورية السابقة والمرافقة واللاحقة على نفس الأرض وفي وجه ذات العدو ولما يزيد عن ضعف هذه المدة.. آخر القول: مع الاعتقاد بأن التصعيد ضد غزة ليس هدفه الوصول لحرب مفتوحة عليها، ومع اليقين بأن أي عدوان لن يفني حماس أو يوقف مقاومتها ؛ فإن احتمال أن تتحول هذه التحرشات إلى حالة حرب مفتوحة تبقى قائمة وممكنة.. ما يعني أن على المقاومة أن تبقى في الاستعداد والجاهزية الدائمة.. ويبقى السؤال: إلى متى ستبقى الحالة الفلسطينية موضع تجريب ومراوحة؟ وإلى متى ستظل خيارات العدو مفتوحة؟