11 سبتمبر 2025

تسجيل

توطين العلوم في العالم العربي

30 نوفمبر 2023

قدم سعادة السيد عبدالله بن حمد العطية كلمة مرتجلة غاية في الأهمية في المنتدى البحثي السنوي الذي تنظمه جامعة قطر بعنوان «البحث العلمي واستشراف المستقبل» عرض فيها أفكاره بالأمثلة والقصص التي تعكس معاني عميقة، تمثل خلاصة تجربته الطويلة في العلم والعمل والسفر. فكرة المداخلة المركزية أن الدول الغربية بنت حضارتها على عقول العالم عموما وعلى الكثير من العقول العربية المهاجرة على وجه التحديد. فقد أسهم واقع حال العلوم في العالم العربي عموما والبيروقراطية وعدم امتلاك مشروع وطني عربي في توجيه العقول العلمية العربية للهجرة نحو أمريكا وأوروبا وكان لهم دور كبير جدا في بناء المشروع العلمي والنهضوي الغربي، وتأسيس مشاريع كبرى في مجالات عديدة. ورغم بناء الغرب نهضته العلمية على العقول العربية المهاجرة لديها، إلا أنها لا تنقل لنا تلك العلوم والتقنيات بلا ثمن، فالغرب هم من اخترعوا ما يسمى «الملكية الفكرية» بهدف حماية تلك الإسهامات والإبداعات ومنع الآخرين من الاستفادة منها دون الرجوع لهم. وفي مقابل ما أسماه «تعسفا عربيا» في التعامل مع العلماء العرب في دولهم، وتجاربهم المؤلمة في محاولات العودة والاستقرار وبناء مشاريع نهضوية، تواجه العلماء العرب المهاجرين العديد من التحديات الثقافية، في مفارقة يمكن وصفها على النحو التالي: رغم كون الغرب بيئة حاضنة ومثالية للإبداع العلمي إلا أنه بيئة طاردة للأسر العربية التي تريد الحفاظ على أبنائها. وذكر العطية العديد من من الأمثلة على أساتذة وعلماء عرب مبرّزين جاءوا للعمل في شركات قطرية كبرى هربا من التأثيرات الثقافية السلبية على أولادهم. واضعا إيانا أمام سؤال كبير حول كيف يمكن للعالِم العربي أن يوظف إمكانياته العلمية والإبداعية في خدمة بلده وأمته رغم كونها بيئة طاردة، وكيف يمكن للعالِم العربي أن يوافق بين مشروعه العلمي ومشروعه الأسري رغم كون الغرب بيئة جاذبة؟ تمثل هذه المفارقة تحديا كبيرا أمام المشروع العلمي العربي ومستقبله، إلا أن واقع الأمر لا يقف عند هذا السوء، فهناك جانب آخر مظلم قد تكون هذه فرصة لطرحه أمام القيادات الأكاديمية العربية عموما. هذا الجانب متعلق بالنشر العلمي للجهود البحثية العربية التي تصب في معظمها لصالح المشروع العلمي الغربي من الناحية العلمية، وفي صالح شركات النشر الأكاديمي العالمية من ناحية اقتصادية، والتي تأخذ الشركات الغربية فيها حصة الأسد. وهنا لا أريد الحديث عن التحديات الثقافية والبحثية واللغوية التي تشكلها محاولات دفع الجامعات أساتذتها وباحثيها للنشر في دور النشر العالمية الكبرى التي هي في الأساس مشاريع خاصة تحمل في غالبها أسماء أشخاص أو عائلات، وفي المجلات المصنفة بما يسمى «سكوبس» نسبة إلى الجبل الذي بنيت عليه الجامعة العبرية في دولة الاحتلال، ولكني سأركز على الجانب الاقتصادي والعلمي منه. تفيد الإحصائيات أن خمسة دور نشر كبيرة: Elsevier، وBlack & Wiley، وTaylor & Francis، وSpringer Nature، وSAGE، تهيمن على أكثر من 50% من سوق النشر العلمي. وفي حالتنا العربية فإن الخسارة مضاعفة إذا أضفنا إليها رواتب الأساتذة والباحثين والموارد المالية التي تقدمها المؤسسات المانحة الحكومية والخاصة. على الجامعات العربية التوقف عن الافتخار بتقدّمها في مؤشرات التصنيف العالمية التي تُلجئُها إلى رهن مواردها البشرية والمادية للمشروع العلمي الغربي، والبدء بالعمل على مشروع توطيني ضخم للعلوم، يتضمن إنشاء ورعاية أوعية نشر كبرى هدفها العلم لأجل العلم والنفع والخير العام لا العلم لأجل الكسب المادي وحسب. فمستقبل البحث العلمي في العالم العربي يتطلب توطين العلوم وإيجاد حلول نشر عربية. إن دولة قطر التي أثبتت قدرتها على تنظيم الأحداث العالمية الضخمة، قادرة على البدء بهذا المشروع العلمي الحضاري الضخم.